يحتمل الأمانات : العبادات والفرائض التي فرضت عليهم ، راعوها ، أي : أدوها في أوقاتها ، والعهود التي فيما بينهم وبين ربهم.
أو أن يكون الأمانات التي وضعت عندهم والعهود التي فيما بينهم وبين الخلق ، راعوها ، أي : حفظوها ، وأدوها إلى أربابها ولم يضيعوها ، والله أعلم.
وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ).
يكون محافظة الصلاة بوجوه :
أحدها : يحافظونها بأركانها وفرائضها ولوازمها وآدابها.
والثاني : يحافظونها بأسبابها التي جعلت لها من الأوقات والطهارات وستر العورة وغيرها من الأسباب التي لا تقوم الصلاة إلا بها.
والثالث : يحافظونها بالخشوع والوقار وإظهار الذلّ له والإخلاص ، وغير ذلك من الأشياء مما ندب المصلي إليه ، وعلى ذلك جميع ما ذكر من الأمانات وغيرها ، والله أعلم.
وقوله : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ).
الوارث : هو الباقي عن المورث.
وقال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) [مريم : ٤٠] ، أي : إنا باقون عن الخلق ، أي : يفني الخلائق ، وهو يبقى.
أو أن يكون قوله : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) هكذا هو ما وعد الله عباده الجنة إن أجابوه ، وإليها دعاهم بقوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥] ؛ فمن ترك إجابته يصير الموعود الذي وعد له إن أجاب لمن أجابه ؛ فذلك الوراثة التي ذكر الله.
وقوله : (الْفِرْدَوْسَ) ، قيل (١) : هو بلسان الروم : بستان ، سمى الله الجنة بأسماء مختلفة : منها عدن ، ونعيم ، ومأوى ، وفردوس ، و [هي] في الحقيقة واحد ؛ لأن العدن هو المقام ، والنعيم هو ما ينعم ، ومأوى فهي كذلك ، ثم فردوس وعدن ، ومأوى نعيم.
وروي في بعض الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الفردوس ربوة الجنّة العليا ، وهي أوسطها ، وأحسنها» (٢) ، فإن ثبت هذا فهو ما ذكر.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) ، قال : الإقبال عليها ، والذلة فيها.
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٥٤٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (٢٨٠٩) ، وأحمد (٣ / ٢١٠ ، ٢٦٠ ، ٢٨٣) ، والترمذي (٣١٧٤) ، عن أنس بنحوه.