لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ)(٣٠)
وقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
يردّد ـ عزوجل ـ أنباء أولي العزم من الرسل وأخبارهم ، ويكررها على رسول الله ؛ ليكون أبدا يقظانا منتبها ، ويعرف أن كيف عامل أولو العزم قومهم ، وكيف صبر أولو العزم من الرسل على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم ؛ ليعامل هو قومه مثل معاملتهم ، ويصبر هو على أذى قومه ؛ على ما صبر أولئك على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم ؛ لهذا ما يردّد ويكرر أنباءهم عليه ، ويعرف قومه ـ أيضا ـ ألا يظفروا بما يأملون من تكذيبهم العاقبة ؛ بل العاقبة تصير له على ما صارت لأولي العزم من الرسل لا لقومهم ، والله أعلم.
وقوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ) ، يحتمل وجوها :
أحدها : (أَفَلا تَتَّقُونَ) مخالفة الله ومخالفة رسوله.
أو (أَفَلا تَتَّقُونَ) عذابه ونقمته ووعيده.
أو (أَفَلا تَتَّقُونَ) عبادة غير الله.
وقوله : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ).
هذا الذي قالوا : هو تناقض ؛ لأنهم قالوا : إنه بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم بما ادعى من الرسالة والإجابة له إلى ما دعاهم ، ثم هم ـ أعني : الرؤساء منهم والقادة ـ ادعوا لأنفسهم الفضل بما استتبعوا هم السفلة ، وطلبوا منهم الموافقة لهم والإجابة ، وهم بشر أمثالهم ؛ فذلك تناقض في القول ، ثم أقروا بتفضيل بعض الخلق على بعض ، وعرفوا قدرة الله على ذلك ؛ حيث قالوا : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً).
فإن قدر على تفضيل الملائكة على البشر ، قدر على تفضيل بعض البشر على بعض ، ثم أخبر عن نوح أنه لا يريد بما ادعى من الرسالة التفضل عليهم ؛ ولكن يريد النصح لهم والإشفاق عليهم ؛ حيث قال : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) [هود : ٣٤] ،