وقال : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأعراف : ٥٩] ، (عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) [الشعراء : ١٨٩] ، ونحو ما قال ؛ أخبر أنه إنما أراد النصح والشفقة لا التفضل الذي قالوا هم.
وقوله : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ).
هذا قولهم ، وقد كذبوا في قولهم.
وقوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ).
قد عرفوا أن ليس به جنون ؛ ولكن أرادوا التلبيس والتمويه على قومهم ؛ حيث خالفهم في جميع أمورهم ، وعادى الرؤساء منهم والقادة ، ويقولون : ما يفعل هذا إلا لجنون فيه وآفة أصابته في عقله ، وإلا : عرفوا هم في أنفسهم ـ أعني : القادة ـ أنه ليس بمجنون ؛ ولكن أرادوا التمويه على قومهم ، ثم قالوا : (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ).
لسنا ندري ما أرادوا بالحين : أرادوا الموت؟ أو وقت ارتفاع ما قالوا فيه من الجنون؟ أو أرادوا وقتا آخر.
قال مقاتل : يريد أن يتفضل عليهم بالرسالة ، وليس [له] عليكم فضل في شيء فتتبعونه.
وقوله : (ما سَمِعْنا بِهذا).
قال بعضهم : أي : بالعذاب في آبائنا الأولين.
ويقال : ما سمعنا التوحيد في آبائنا الأولين ، كما يدعو نوح.
وقوله : (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ).
لم يدع عليهم بأول ما كذبوه ؛ ولكن إنما دعا عليهم بعد ما أيس من عودهم إلى تصديقه ، وهو ما قال : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر : ١٠].
وقال أهل التأويل : (انْصُرْنِي) : بتحقيق ما وعدت لهم من العذاب ؛ فإنه نازل بهم في الدنيا وعذابهم (بِما كَذَّبُونِ) : في قولي بأن العذاب نازل بهم في الدنيا.
أو أن يكون قوله : (انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) ، أي : اجعل لي الظفر عليهم بالتكذيب ، ونحوه.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا).
قال بعضهم (١) : بمنظر منا.
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (٩ / ٢١٠).