الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٦٢)
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ).
جائز أن يكون هذا موصولا بقوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) ؛ على التقديم والتأخير ؛ فكأنه قال : إنما نسارع في الخيرات للذين هم من خشية ربهم مشفقون إلى آخر ما ذكر لأولئك الكفرة ، جائز أن يكون على الابتداء وصف الذين آمنوا ونعتهم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) ، أي : من عذاب ربهم خائفون.
وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ).
الإيمان بالآيات يكون إيمانا بالله حقيقة ؛ لأن الآيات هنّ الأعلام التي تدل على وحدانية الله وربوبيته ، والإيمان هو التصديق ، فإذا صدّق آياته ، وهن أعلام وأخبار تخبر عن وحدانية الله ؛ فإذا صدقها صدق الله وآمن به ؛ لذلك قلنا : الإيمان بآياته يكون إيمانا بالله.
وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ).
أي : لا يشركون غيره في عبادتهم.
وقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا).
وفي بعض القراءات : والذين يأتون ما أتوا ، مقصورة ، وهي قراءة عائشة (١).
فمن قرأ : والذين يأتون ما أتوا تأويله ، أي : الذين يعملون من عمل وجلت له قلوبهم ، أي : يتقبل منهم أم لا؟
ومن قرأ : (يُؤْتُونَ ما آتَوْا) فهو من الإعطاء والإنفاق ؛ يقول : والذين يعطون وينفقون ما أنفقوا ، وقلوبهم وجلة : أن ذلك يقبل منهم أم لا؟
وفيه دلالة أن المطيع فيما يطيع ربّه يكون على خوف منه كالمسيء في إساءته ، وكذلك روي عن عائشة أنها سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآية ، قالت : «أهم الذين يشربون الخمر ، ويسرقون ، ويزنون؟ فقال : لا ؛ ولكنهم الذين يصومون ، ويصلّون ، ويتصدقون ، وهم يخافون ألا يقبل منهم (٢) : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٥٥٥٨) وسعيد بن منصور وأحمد والبخاري في تاريخه وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أشتة وابن الأنباري معا في المصاحف والدارقطني في الإفراد والحاكم وصححه وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٢).
(٢) أخرجه الحميدي (٢٧٥) ، وأحمد (٦ / ١٥٩ ، ٢٠٥) ، والترمذي (٣١٧٥) ، وابن ماجه (٤١٩٨) ، وابن جرير (٢٥٥٥٩ ، ٢٥٥٦٠) ، والحاكم (٢ / ٣٩٣) ، وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢١).