وجائز أن يكون قوله : (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) لا على ذلك ؛ ولكن على ما يذكر ، أي : قلوبهم وجلة أنهم يرجعون إلى ربهم : على السعادة أم على الشقاوة؟ والله أعلم.
وقوله : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ).
أخبر أن الذين نعتهم ووصفهم هم الذين يسارعون في الخيرات ، لا أولئك الكفرة الذين تقدم ذكرهم ، (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) : يحتمل ، أي : سبقوا أولئك الكفرة بها ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
جائز أن يكون ذكر هذا وقاله ؛ لما عمل أولئك من الأعمال التي لا تسع ولا تحل ، وقالوا : الله أمرهم بذلك بقولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ؛ فقال : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، أي : إلا ما يسعها ، أي : إلا ما يسعها ويحل ؛ كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف : ٢٨] ؛ ردا لقولهم ، وتكذيبا.
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يقول : لا نكلف نفسا من الأعمال إلا وسعها ، أي : طاقتها ، وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما ، أي : لا نكلف أحدا من الأعمال ما يتلف طاقة وسعه فيه : لا يكلف الغني من الإعطاء ما يتلف به غناه ، وكذلك لا يكلف كل حي من العمل ما يتلف به طاقته وحياته ؛ ولكنه إنما أمره وكلفه بأمور يحتمل طاقتهم ذلك العمل والأمر ؛ فإن كان كذلك ؛ فدل ذلك أنه لم يرد به طاقة العمل وقدرته ؛ ولكن طاقة الأحوال التي يجوز تقدمها عن الأحوال.
والثاني : ذكر هذا ؛ لئلا يقولوا : إنا لم نطق ما كلفنا ؛ لأنهم تركوا الأعمال التي أمروا بها ، وكلفوا بأعمال مثل التي تركوها ، وهي المعاصي التي عملوها ، فما أمروا من الأعمال ليس يفوق التي عملوها ؛ ولكن مثلها ؛ فلا يكون لهم في ذلك احتجاج.
وقوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ).
قال قائلون : هو الكتاب الذي يكتب فيه أعمالهم وأفعالهم من الخيرات والسيئات ، وذلك كله محفوظ محصى عليهم ؛ كقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨] ؛ فإن كان هذا فيكون قوله : (بِالْحَقِ) ، أي : بالتصديق.
وقال قائلون : هو الكتاب الذي أنزل إلينا ، وهو هذا القرآن ؛ ينطق عليكم بالحق ، أي : بالحق الذي لله علينا ، وبالحق الذي يكون لبعض على بعض ، وهو كقوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٢٩] ، وهو ما ذكرنا من الحق الذي له علينا ، ومن الحق