عند جميع من رآه وعاينه ؛ لهذا شبه به وضرب مثله به ، والله أعلم.
وقوله : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ).
قال عامة أهل التأويل (١) : قوله : (بِهِ) ، أي : بالبيت.
ووجه هذا : أنهم لما رأوا أنفسهم آمنين بمقامهم عند البيت وفي حرم الله ، وأهل سائر البقاع في خوف ـ ظنوا أن ذلك لهم ؛ لفضل كرامتهم ومنزلتهم عند الله ؛ فحملهم ذلك على الاستكبار على رسول الله ومن تابعه.
وقال بعضهم (٢) : (مُسْتَكْبِرِينَ) ، أي : بالقرآن وتأويله ، أي : استكبروا على الله ورسوله لما نزل القرآن ، وإضافة الاستكبار إلى القرآن ؛ لأنهم بنزوله تكبروا على الله ؛ فأضاف استكبارهم إليه ؛ لأنه كان سبب تكبرهم ، وهو كقوله : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ... فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ ...) الآية [التوبة : ١٢٤ ، ١٢٥] : أضاف زيادة رجسهم إلى السورة ؛ لما بها يزداد رجسهم وكانت سبب رجسهم ، وإن كانت لا تزيد رجسا في الحقيقة.
وقوله : (سامِراً تَهْجُرُونَ).
قال الزجاج (٣) : السامر : هو ظل القمر ، فيه كانوا يهجرون ، والسمر : هو حديث بالليل.
قوله : (تَهْجُرُونَ) قال قائلون : تهتدون.
وقال بعضهم : تهجرون القرآن ، أي : كانوا لا يعملون به ولا يعبئون ؛ فهو الهجر ، وفيه لغة أخرى : تهجرون ، وهو كلام الفحش والفساد.
وقوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ).
قيل (٤) : أي : في القرآن ؛ يحتمل قوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا) أي : فهلا دبروا ذلك القول الذي يقولون في الآخرة في الدنيا ، وهو قولهم : (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [الأعراف : ٥٣] ، وما ذكر من تضرعهم في الآخرة ، وهو قوله : (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ).
وجائز أن يكون قوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) ، أي : قد دبّروا القول ، لكنهم تعاندوا
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٥٩٢) ، وعن مجاهد (٢٥٥٩٣ ، ٢٥٥٩٤) والحسن (٢٥٥٩٥) ، وغيرهم. وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٤).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ٢٤).
(٣) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٨).
(٤) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٥).