قال عامة أهل التأويل (١) : الحق ـ هاهنا ـ هو الله ، أي : لو تبع الله أهواءهم في كفرهم وشركهم (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) ، وتأويل هذا أن الكفر والشرك مما لا عاقبة له ، وكل شيء لا عاقبة له فهو في الحكمة والعقل فاسد باطل غير مستحسن.
وقال بعضهم : الحق ـ هاهنا ـ كتاب الله ، وهو القرآن على ما يهوون هم ؛ ليفسد ما ذكر ؛ لأنه يكون خارجا عن الحكمة.
وجائز أن يوصل قوله : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) الحق الذي سبق ذكره ، وهو قوله : (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) ، أي : لو اتبع ذلك الحق أهواءهم وجاء على ما هوته أنفسهم واشتهت من عبادة غير الله ، وتسميتهم إياها آلهة ، وإنكارهم البعث والتوحيد ، وغير ذلك من الأفعال التي كانوا اختاروها وعملوها ـ لفسدت السموات والأرض وما ذكر ؛ لأنه يكون خلقهم وخلق ما ذكر من السموات والأرض وما فيهن ـ لا لما توجبه الحكمة والعقل ؛ إذ خلقهم وخلق ما ذكر لأفعالهم التي يفعلون ؛ فإذا خرج أفعالهم على غير ما توجبه الحكمة والعقل ، بل على السفه والجهل ـ خرج الذي لها خلق ، [و] من أجلها أنشئ ، كذلك ؛ إذ خلق الشيء وفعله لا لعاقبة تقصد ـ خارج عن الحكمة ، والله أعلم بذلك.
وجائز أن يكون الحق هو رسول الله ، أي : رسول الله لو اتبع أهواءهم لفسد ما ذكر.
وقوله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ).
قال أهل التأويل : لشرفهم وذكرهم ؛ كقوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤].
[وقوله :](بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ).
أي : عن شرفهم معرضون.
وجائز أن يكون الذكر هو الحق الذي تقدم ذكره ، أي : لو قبلوا ذلك الحق الذي [جاءهم] وأقبلوا نحوه يكون في ذلك ذكرهم من بعد هلاكهم ؛ كما يذكر أصحاب رسول الله من بعد ما ماتوا ؛ ألا ترى أولادهم بذكر آباءهم يتعيشون يقولون : أنا من بني فلان ؛ فيبرّهم الناس بذلك ويكرمونهم ، وأما أولئك فإنهم لا يذكرون بشيء من ذلك ؛ فذلك يدل على ما ذكرنا.
ويحتمل قوله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) الثناء عليهم أن لو آمنوا ؛ كقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...) الآية [آل عمران : ١١٠] ، وقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)
__________________
(١) قاله أبو صالح أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٦٢٣ ، ٢٥٦٢٤) ، وعن ابن جريج (٢٥٦٥٢) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٢٥).