(وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ).
كل كتب الله : هدى لمن استهدى ، ورشد لمن استرشد ، وبيان لمن استوضح ؛ لأنها دعت إلى ثلاث خصال : دعت إلى معالي الأمور ، ومكارم الأخلاق ، وصالح الأعمال. ونهت عن ثلاث : عن مساوي الأعمال ، وعن سفاسف الأمور ، ودناءة الأخلاق ورداءتها.
ذكر أنه جعل الكتاب هدى لبنى إسرائيل ؛ لأن منفعة الكتاب حصلت لهم : أنهم هم الذين استهدوا به ؛ فعلى ذلك هو هدى لمن استهدى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً).
أي : معتمدا ، أي : قلنا لهم فيه ، أو ذكرنا لهم فيه ، أو أمرناهم فيه : ألا تتخذوا من دوني وكيلا ، أي : معتمدا موكولا ، الوكيل : هو موكول الأمر إليه ، معتمد في الأحوال عليه ، قائم في جميع ما وكل إليه بالتبرع والتفضل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ).
قال بعضهم : يعني بالذرية الأنبياء الذين كانوا من قبل ، أي : كانوا من ذرية نوح ومن حمل معه ، وهم بشر ؛ قال : ذكر [هذا لإنكارهم](١) بعث الرسل من البشر ؛ حيث قالوا : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤].
والثاني : يحتمل غيره ، أي : من ذرية من حملنا مع نوح ، أي : هؤلاء من ذرية من حملنا مع نوح ؛ فكيف خالفوا آباءهم الذين كانوا على الهدى ، وتابعوا غيرهم؟!
أو يذكر أن هؤلاء الرسل من ذرية من حملنا مع نوح ، [وهم بشر ، فكيف أنكروا الرسول من بشر؟!
ثم قال بعضهم : هو على النداء والدعاء : يا ذرّية من حملنا مع نوح](٢) في السفينة ـ في أصلاب الرجال وأرحام النساء زمان الطوفان ـ لا تتخذوا من دوني وكيلا ، قيل : ربّا وإلها ، وقيل : شريكا. وأصله ما ذكرنا أن الوكيل : هو المعتمد.
(إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً).
يعنى : نوحا ، قال بعضهم : سمّاه شكورا ؛ لأنه كان يذكر ربّه في كل أحواله ، وقال بعضهم : الشكور هو الذي يبتغي مرضات منعمه ، ويجتنب مساخطه ، وقال بعضهم : الشكور هو المطيع لله.
__________________
(١) في ب : بذلك إنكارهم.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في ب.