وقد ذكرنا معنى الشكر : أنه اسم المكافأة ، أو يقال : كانت عبادته لله عبادة شكر لا عبادة استغفار ، أي : كان شكورا في عبادته لا مستغفرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ).
اختلف في قوله : (وَقَضَيْنا) :
قال الحسن وغيره : أوحينا إليهم وأخبرناهم وأعلمناهم في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين.
وقال بعضهم : قضينا عليهم.
وقال بعضهم : كتبنا عليهم فكيفما كان ، ففيه نقض قول المعتزلة ؛ لأنه أخبر : أنه أخبرهم وأعلمهم ؛ على تأويل من زعم أن القضاء ـ هاهنا ـ هو الإعلام والإخبار لهم ؛ فيقال لهم : كان أخبرهم وأعلمهم ؛ ليصدق في خبره أولا : فإن كان أخبرهم ليصدق في خبره ـ فذلك منه حكم أنهم : ليفسدن في الأرض مرّتين ؛ فإن كان تأويل القضاء : الكتاب والحكم ، فهو ظاهر ، وهو ما نقول : إن كل فاعل فعلا طاعة كانت أو معصية ـ كان بحكمه.
[ثم من](١) سأل آخر عن المعصية أنها كانت بقضاء الله ؛ فلا يجب أن يجاب له على الإطلاق : ب (نعم) أو ب (لا) ، إلا أن يبين أنه ما يريد بالقضاء وما يفهم منه ؛ لأن القضاء يتوجه إلى وجوه :
يرجع إلى الخلق ؛ كقوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت : ١٢] أي : خلقهن.
والقضاء : الأمر ؛ كقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] ، أي : أمر ربك.
والقضاء : الحكم ؛ كقوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [طه : ٧٢] ، أي : احكم ما أنت حاكم.
ولم يعرف القضاء : الحمل والدفع ؛ على ما يقوله المعتزلة ، ونحوه ، فلا يجاب على الإطلاق إلا أن يبيّن أنه ما أراد بالقضاء؟ فإن أراد بالقضاء : الحكم : فعند ذلك يقال : نعم ، كان بقضائه وحكمه ، وليس فيما قضى وحكم دفعه في المعصية.
ثم اختلف في قوله : مرتين :
قال بعضهم من أهل التأويل (٢) : إن بني إسرائيل عصوا ربهم ؛ فسلط الله عليهم
__________________
(١) في أ : عمن.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٠٦٥) وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٩٦ ، ٢٩٧) ، وهو قول قتادة.