جالوت ؛ فقتلهم ، وسبى ذراريهم وأموالهم ، فكانوا كذلك زمانا ، ثم تابوا ورجعوا عن ذلك ، ثم بعث الله داود ؛ فقتل جالوت ، واستنقذهم من يديه ، وردهم إلى مكانهم ، ثم عادوا إلى ما كانوا من قبل ؛ ثم سلط عليهم بختنصر ؛ ففعل بهم ما فعل جالوت ، ثم تابوا ، فبعث محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم (١) : بعث ـ أولا ـ بختنصر ، ثم فلانا وفلانا ، وهو ما قال : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ) إلى قوله : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨] ، أي : عدتم إلى العصيان عدنا إلى العقوبة ، ولكن ليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى ما فيه من وجوه الحكمة والدلالة :
أحدها : فيه دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر عما كان في كتبهم من غير أن علم ما في كتبهم ، ولا اختلف إلى أحد منهم ؛ فكان ـ على ما أخبر ـ دل أنه إنما عرف ذلك بالله بما أخبره في كتابه.
وفيه أنه لم يهلك قوم بنفس الكفر إهلاك استئصال ، حتى كان منهم مع الكفر السّعي في الأرض بالفساد ، والعناد للآيات.
وفيه أن ليس على الله حفظ الأصلح لهم وإعطاؤه في الدين ؛ حيث لم يمتهم على الإيمان ، ولكن تركهم حتى عصوا ربهم ، ثم سلّط عليهم من قتلهم على تلك الحال ، ودعاهم إلى دينه وهو كفر ؛ فلو كان عليه إعطاء الأصلح لأماتهم على الإسلام ؛ فذلك أصلح لهم في الدين.
وقوله ـ عزوجل ـ : و (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً).
قيل : لتجترءون جراءة عظيمة ، وقيل : لتقهرنّ ولتعلن غلبة ؛ كقوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٤] ، أي : قهر وغلب ، ألا ترى أنه قال : (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) [القصص : ٤] ثبت أنه على الغلبة والقهر.
وقيل : العلو هو العتوّ والجراءة والتكبّر ، وهو ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما).
أي : جاء وعد هلاك من عصى منهم أولا ، وخالف أمر الله وكفر به.
(بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).
قال الحسن : قوله : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ) ليس على بعث الوحي إليهم ؛ ولكن على التخلية ، أي : خلينا بينهم وبين عباد أولي بأس شديد ، أي : أولي بطش شديد وقوة ؛
__________________
(١) قاله سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٢٠٩٦) ، (٢٢٠٧٠).