وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا).
قال الحسن : قوله : (صَرَّفْنا) ـ يقول : بيّنا في هذا القرآن ما نزل بمكذبي الرسل من الأمم الخالية ؛ بتكذيبهم الرسل أمّة قائمة ؛ (لِيَذَّكَّرُوا) : ما نزل بهم ؛ فينتهوا عن تكذيبهم الرسل ، (وَما يَزِيدُهُمْ) : ما بين لهم. (إِلَّا نُفُوراً) أي : تكذيبا للرسل.
وقال بعضهم : ولقد صرّفنا [في](١) هذا القرآن ، أي : بيّنا في هذا القرآن والآيات التي تقدم ذكرها ـ جميع ما يؤتى ويتقى ، وما لهم وما عليهم ؛ ليعتبروا [به](٢) فيؤمنوا ، وما يزيدهم القرآن إلا تباعدا من الإيمان به ، وهو ما ذكر : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ ...) الآية [الإسراء : ٣٩].
وقال بعضهم : صرّفنا في هذا القرآن من المواعيد الشديدة أنه ما ينزل بهم في الآخرة من العذاب والعقوبة ؛ بصنيعهم وتكذيبهم الرسل ، لكن إذ لم يؤمنوا بالآخرة ، لم يزدهم ذلك الوعيد إلّا نفورا وبعدا ؛ فإن الله قد ذكر في القرآن المواعظ الكثيرة : ما لو نظروا فيه وتأملوا لكانت تمنعهم وتزجرهم عن مثل صنيعهم ، لكن لم ينظروا إليه بالتعظيم ؛ ولكن نظروا إليه بالاستهزاء والاستخفاف به ؛ لذلك أضيف زيادة النفور إليه ، أو أضاف ذلك إليه ؛ لما أحدثوا بنزوله الكفر والتكذيب له ؛ فأضاف ذلك إليه لما ازداد لهم التكذيب ، وحدث لهم الكفر به إذا نزل ، كما كان لأهل الإسلام يزداد لهم الإيمان واليقين إذا نزل.
وجائز أن يكون قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) ، أي : يشرفوا ؛ كقوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [الأنبياء : ١٠] ، أي : شرفكم ، أو ليذكروا ما نسوا وتركوا وغفلوا عنه. ثم قوله : (صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) ، معناه ـ والله أعلم ـ : أنزله ؛ ليلزمهم الذكر ، أو ليكون عليهم ، أو ليأمرهم بالذكر ، وهو ما ذكرنا في قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية [الذاريات : ٥٦] ، وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) [النساء : ٦٤] ، أي : ليلزمهم العبادة والطاعة ، أو ليأمرهم بالعبادة والطاعة ، أو أرسل وخلق لمن علم منه العبادة والطاعة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَذَّكَّرُوا) ، أي ليكون لهم الذكرى بذلك ؛ لأنه لا يحتمل أن يبيّن لهم ويجعل لهم بيانا ؛ ليذكرّوا ، ثم لا يكون ؛ ولكن ما ذكرنا ليكون لهم الذكرى ، وقد كانت لكن لم تنفعهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.