ليس القرآن بالذى يزيدهم نفورا ، ولكن لما نظروا إليه بعين الاستخفاف والاستهزاء زاد لهم بذلك نفورا عندهم وتكذيبا ، وإلّا : القرآن لا يزيد إلا هدى ورشدا ؛ على ما وصفه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً).
قال عامّة أهل التأويل (١) : في الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها ، أي : لو كانت هي آلهة معه كما تقولون إذا لابتغوا التقرب والزّلفى إلى ذي العرش سبيلا.
وقال بعضهم : لو كانت لهم عقول لابتغت ، وأمكن لها من الطاعة والعبادة إذا لابتغت إلى ذي العرش سبيلا بالطاعة له والعبادة ، وهو ما قال في الملائكة : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الآية [الإسراء : ٥٧] ، لكن الأشبه أن يكون الله ـ تعالى ـ ألا يقول في الأصنام مثل هذا : لو كان معه آلهة ، إنما هي خشب ، لكن قال فيها ما قال : لا تسمع ولا تعقل ولا تبصر ، وما ذكر في آية أخرى : (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم : ٤٢] ، وما قال : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ...) الآية [الحج : ٧٣] : مثل هذا أن يقال في الأصنام ، وأمّا ما ذكر : (لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ ...) الآية ، معلوم أنها ليست من أهل الابتغاء ، إلا أن يقال ما ذكر بعضهم ، أي : لو كانت الأصنام التي تعبدونها آلهة ؛ على ما تزعمون ، إذا لابتغوا إلى الله سبيلا ، [بالطاعة لو لم يكن لهم ذلك ، وكانوا من أهلها ، لكن الأشبه ـ إن كان ـ فهو في الذين يعبدون الملائكة](٢) ويتخذونهم معبودا أو في الذين يقولون بالعدد الذين لهم تدبير ، أو الذين يقولون بقدم العالم وأصوله ؛ فهو يخرج على وجوه ، فنقول ـ والله أعلم ـ : (لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا) ، أي : إذا لأظهروا دلالة ربوبيتهم وألوهيتهم بإنشاء الخلائق ، كما أظهر الله ـ سبحانه ـ ألوهيته وربوبيته بما أنشأ الخلائق ، ولم يظهر ممن يدعون لهم ألوهيته إنشاء شيء من ذلك فدلّ أنه ليس هنالك إله غيره.
وقال بعضهم : (لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا) ، أي : صاروا كهؤلاء : يعنى الله ، أي : في الإنشاء والإفناء والتدبير ، ومنعوه عن إنفاذ الأمر له : في خلقه ، والمشيئة له فيهم ، واتساق التدبير ؛ فإذ لم يكن ذلك منهم دل أنه لا إله معه سواه ؛ ويكون كقوله : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ...) الآية [المؤمنون : ٩١].
وقال بعضهم (٣) : لو كان معه آلهة كما يزعمون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا (٤) ،
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٣٢٢) ، (٢٢٣٢٣).
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٣) قاله البغوي (٣ / ١١٦).
(٤) زاد في ب : في المناصبة والمغالبة : إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً.