في القهر والغلبة ؛ على ما عرف من عادة الملوك بالأرض : أنه يسعى كل منهم في غلبة غيره وقهر آخر ويناصبه ؛ كقوله : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١] ، أي : غلب وقهر وناصب.
ويحتمل غير هذا ، وهو أن يمنع كل منهم أن يكون لله الواحد بالخلق دلالة ألوهية وربوبية ، وجهة الاستدلال [له](١) بذلك ؛ فإذا لم يمنعوا ذلك دلّ أنه لا ألوهية لسواه ، وهو الأوّل بعينه.
وقال بعض أهل التأويل (٢) : لعرفوا فضله ومرتبته عليهم ، ولابتغوا ما يقربهم إليه ، وقيل : ولابتغت الحوائج إليه ، وهذا هو الذي ذكرناه بدءا من طلب الطاعة له.
وقوله : (سُبْحانَهُ).
نزه نفسه وبرأها عما يقول الملحدة فيه ووصفوه بالشركاء والأشباه والولد وما لا يليق به ؛ فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً).
ثم قال : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ).
ثم يحتمل تسبيح ما ذكر وجهين :
أحدهما : جعل الله ـ تعالى ـ في خلقه السموات والأرض وما ذكر دلالة على وحدانية الله وألوهيته ، وشاهدة له أنه واحد لا شريك له ولا شبيه ؛ فإن كان على هذا فيدخل فيه كل شىء : ذو الروح وغيره ؛ فيكون قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) : الكفرة خاصّة ، وأمّا أهل الإسلام يفقهون ذلك.
والثاني : أنه جعل الله في سرّية هذه الأشياء ما ذكر من التسبيح والتنزيه ، لكن لا نفقه نحن ذلك ولا نفهمه ؛ على ما أخبر : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). وهي لا تعرف ـ أيضا ـ أن ذلك تسبيح على ما جعل في الجوارح والأعضاء تسبيحا وعبادة له ، وإن كانت هي لا تعرف ذلك أنه تسبيح.
والثالث : أنه جعل صوت هذه الأشياء تسبيحا له حقيقة على معرفة هذه الأشياء أنه تسبيح ، وإن كان لا يعرف ذلك إلّا خواص من الناس ، وهم الأنبياء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً).
الحليم : هو ضد السفيه (٣) ، والثاني : يقال حليم : ليس بعجول ، أي : لا يعجل بالعقوبة.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) هو قول قتادة ، كما سبق.
(٣) زاد في ب : وهو الحكيم.