وذلك إنما يكون في الدنيا لا في الآخرة.
ثم اختلف في العادين : قال بعضهم (١) : هم الملائكة الذين يكتبون أعمالهم في هذه الدنيا ويرقبونهم.
وقال بعضهم : هم ملك الموت وأعوانه.
وقوله : (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
أي : ما لبثتم إلا قليلا لو كنتم تعلمون ، ولكن لا تعلمون.
قال القتبي (٢) : (سِخْرِيًّا) بكسر السين ، أي : يسخرون منهم ، و (سِخْرِيًّا) : بضمّها ، أي : يتسخرونهم من السخرية عبثا.
[و] قوله : (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) ، أي : شغلكم أمرهم عن ذكري ، والوجه فيه ما ذكرنا فيما تقدم.
وقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً).
قوله : (أَفَحَسِبْتُمْ) : يحتمل وجهين :
أحدهما : (أَفَحَسِبْتُمْ) : قد حسبتم أنما خلقناكم عبثا.
والثاني : (أَفَحَسِبْتُمْ) ، أي : لا تحسبوا أنا إنما خلقناكم عبثا.
(وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ).
صير خلقه الخلق لا للرجوع والبعث عبثا ؛ لوجهين :
أحدهما : لأن خلقه إياهم لا لعاقبة تتأمل أو لمنافع تقصد ؛ للهلاك خاصة وللفناء ـ عبث ؛ كبناء المباني لا لمنفعة تقصد به ، ولكن للنقض يكون عبثا في الشاهد ، وهو ما قال في آية أخرى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) [النحل : ٩٢] : سفهها في غزلها للنقض خاصة لا لمنفعة قصدت به ، ونهانا أن نفعل مثل فعلها ؛ فلو لم يكن المقصود من خلق الخلق إلا الموت والفناء خاصة ، لا لعاقبة تقصد ـ كان سفها وعبثا.
والثاني : ما أخبر أنه إنما أنشأ هذا العالم غير البشر لهذا البشر ، وله سخر ذلك كله ؛ حيث قال : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] ؛ إذ ليس لغير البشر منفعة بهذه النعم التي أنشأها لهم ، من نحو الجن والملائكة ونحوهم ؛ إذ لهم قوام بدون ذلك : من الشمس ، والقمر ، ونحوه من النعم ؛ إنما ذلك للبشر خاصّة ، فإذا كان
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٥٦٩٥ ، ٢٥٦٩٦) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٤).
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٠٠).