والسرقة وغير ذلك من الحقوق لقبل ؛ فعلى ذلك في هذا.
فإن قيل : إن الزوج إنما يشهد لنفسه وفيه منفعة له ؛ لأن حدّه اللعان إذا قذفها ؛ فهو يريد أن يزيل اللعان عن نفسه.
قيل : إنما يكون حدّ الزوج اللعان إذا قذفها قبل أن يرتفعا إلى الحاكم ، فإذا فعل ذلك ثم شهد مع ثلاثة آخرين لم تجز شهادته ، وأما إذا كان أوّل ما بدأ به إن جاء مع ثلاثة فشهدوا عليها بالزنا فليس يبطل بشهادته عن نفسه شيئا وجب عليه ؛ ألا ترى أن الأجنبي إذا قذف امرأة ثم جاء ليشهد بذلك عليها مع ثلاثة أن شهادته لا تجوز ؛ لأن الحدّ قد لزمه قبل شهادته ؛ فهو يدفع الحدّ الذي وجب عليه بشهادته ؛ فلا تقبل ، وأنه لو جاء مع ثلاثة ، وكان أول أمرهم أن يشهدوا عليها بالزنا فشهادتهم جائزة ، ولا يقال : إن أحدا منهم يدفع عن نفسه شيئا وجب عليه ؛ فعلى ذلك الزوج.
وقوله : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
تسمية الفسق لهم : لا تخلو إما أن كان لما رموا وقذفوا به بريئا من ذلك ، أو لما هتكوا عليه الستر من غير أن هتك هو على نفسه ؛ فإن كان الأول فذلك لا يعلمه إلا الله ؛ فعلى ذلك توبته لا تظهر عندنا ؛ فإنما ذلك فيما بينه وبين ربه ؛ فكأنه قال : وأولئك هم الفاسقون عند الله إلا الذين تابوا.
وإن كان الثاني فإنا نعلمه ؛ فكأنه قال : وأولئك هم الفاسقون عندكم.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا).
لا تظهر توبته عندنا ؛ لأن توبته هو أن يعزم ألا يهتك على آخر ستره ، أو يعزم ألا يقذف بريئا من الزنا أبدا ؛ فأيّ الوجهين كان تسميته فسقهم فإن التوبة من ذلك لا تظهر عند الناس لذلك لم تقبل ؛ ولذلك قال ابن عباس : وإنما توبته فيما بينه وبين الله : إذا تاب غفر الله له ذنبه : الفرية ، وكذلك روي عن غير واحد من السلف : من نحو الحسن (١) وإبراهيم (٢) وأمثالهم ، قالوا : توبته فيما بينه وبين ربه (٣).
وقوله : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) ليس ثمة شهادة رفعت إلى الحاكم فردّها ؛ ولكن : لا تقبلوا لهم شهادة يرفعونها إلى الحكام ؛ فالحرج على كل شهادة يرفعون من بعد ، ثم إذا شهد بعد ما قذف وقبل أن يجلد قبلت شهادته وهو قاذف ؛ فدل أن شهادته إنما ترد بعد ما جلد لما اتهمه الحاكم ، وكل شهادة ردّت لتهمة فهي لا تقبل أبدا ، والتهمة التي بها جلد
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد عنه وعن سعيد بن المسيب ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٢).
(٢) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٢).
(٣) ينظر : اللباب (١٤ / ٣٠٠).