قيل : قولكم : إن الفرقة قد وقعت بينهما باللعان دعوى منكم ، وظاهر الأخبار يشهد لنا وعلى وهم الخصم.
ثم يقال لهم : ألستم تقولون في المولى إذا مضت مدته فارتفعا إلى الحاكم : هل تقع الفرقة بينهما إذا امتنع من قربانها وطلاقها ما لم يقل القاضي : قد فرقت بينكما؟!
فإن قيل : فرقة الإيلاء طلاق وفرقة اللعان غير طلاق عندنا.
قيل : هما عندنا طلاق.
فإن قيل : إنكم تزعمون أن فرقة الإيلاء تقع بمضي الأجل ؛ فما منع أن يقع الفرقة باللعان بتمام اللعان؟!
قيل : لم يكن للحاكم في الإيلاء صنع ؛ فلا يحتاج إلى حكمه ، وفي الآخر : لا يتم اللعان إلا بالقاضي ؛ فلا تقع الفرقة إلا بالقاضي.
ويقال لهم : ما تقولون في رجل ادعى حقّا فأقام عليه شاهدين عند قاض : هل يلزم الحكم قبل أن يقول القاضي : قد حكمت بذلك؟ فإن قالوا : لا يلزم الحكم حتى يقول : قد حكمت ؛ فيقال : ما منع أن [يكون] اللعان مثله؟!
ويقال لهم أيضا : ما تقولون في العنين : أجّله الحاكم [أيفرق] بينهما؟ فإن قالوا : لا تقع حتى يفرق الحاكم بينهما ، قيل : ما منع في فرقة اللعان أنه كذلك؟!
فإن قالوا : إنما صارت الفرقة لا تقع في العنين والمولى حتى يوقعها الحاكم ، يقول : طلقها أو فئ إليها ، ويقول لامرأة العنين : اختاري في الفرقة أو المقام معه ؛ فلما كان الحاكم ينتظر ما يقول المولى وامرأة العنين ، لم تقع الفرقة حتى يوقعها ، وليس في اللعان شيء ينتظره الحاكم ؛ لذلك افترقا.
فقيل : بل ينتظر الحاكم تكذيب المرأة نفسها ؛ فيحدها وتكون امرأته ، وكذلك إن أكذب الزوج نفسه حدّه وترك عنده امرأته.
وأصله أنه لا تقع الفرقة إلا بعد التعانهما جميعا وتفريق الحاكم بينهما ؛ لأنهما إذا التعنا جميعا عند ذلك يكون أحدهما ملعونا أيهما كذب ، والانتفاع بالملعون حرام ؛ ألا ترى أنه روي في الخبر أنها موجبة ، أي : اللعنة التي ذكرت ؛ فإنما يلحق اللعن أحدهما إذا التعنا جميعا ، فأما بالتعان الزوج خاصة فلا يقع ؛ فإذا كان كذلك فيحتاج إلى أن يفرق الحاكم بينهما ويطرد أحدهما من صاحبه ؛ إذ اللعن هو الطرد في اللغة ، وهو عندنا كالعقود التي تفسخ : لا يكون إلا بالحاكم ، نحو ما ذكرنا من العنين ، والذي يأبى الإسلام ، وغيرها من العقود ؛ فإنه لا يقع بينهما الفرقة إلا بالحاكم ؛ فعلى ذلك هذا.