حتى يشهد أربع شهادات بالله ، أو تقر بالزنا ، أو يكذب نفسه ؛ فدرأ الحبس عنها بالأيمان التي ذكر.
وإنما لم يحد بالإباء ؛ لأن الإباء لا تظهر الكذب كالإقرار ، ولأن الإباء في الحقيقة إباحة.
ولو أن إنسانا أباح للحاكم أن يقيم عليه الحدّ لم يقم ؛ فعلى ذلك هذا ، أو لما يجوز أن يأبى عن الأيمان ؛ صونا لنفسه عن اللعن والغضب الّذي ذكر فلم يحدّ ؛ لما ذكرنا.
ثم مسألتان في هذا نذكرهما وإن لم يكونا في ظاهر هذه الآية :
إحداهما : في إلحاق الولد أمّه.
والأخرى في تفريق الحاكم بينهما إذا تلاعنا.
قال بعض أهل العلم : إذا فرغ الزوج من لعانه لحق الولد أمه ، وإن لم تلتعن المرأة ، والقياس في لحوق الولد ما قال أولئك : إنّه يلحق بفراغ الزوج من اللعان.
والقياس في وقوع الفرقة : ما قال أصحابنا : إنه لا يقع إلا بعد فراغ الزوجين جميعا وتفريق الحاكم بينهما ؛ لأن الزوج إذا شهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصّادقين قد ألزم امرأته الزنا في الظاهر ؛ فإذا ظهر أن الولد ليس منه فجائز لحوقه بالأم بفراغه من اللعان.
وأما الفرقة فإنها لا تقع بظهور الزنا ؛ ألا ترى أن امرأة الرجل إذا زنت لا يقع بينهما الفرقة ، [و] ألا ترى أن دعوى المرأة باقية بعد فراغ الزوج من أيمانه ؛ لذلك افترقا.
والأخبار تدل لمذهب أصحابنا في المسألتين جميعا ؛ لأنه روي عن نافع ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وانتفى من ولدها ؛ ففرق رسول الله بينهما ، وألحق الولد بالمرأة.
وعن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما لاعن بينهما فرق بينهما.
وروي في الأخبار : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهما : «الله يعلم أنّ أحدكما كاذب ؛ فهل منكما تائب؟» (١) ، قال ذلك لهما ثلاثا ، فأبيا ؛ ففرق بينهما.
وفي بعض الأخبار قال : «حسابكما على الله ، أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها».
فإن قيل : إنما فرق بينهما النبي ؛ لأن الفرقة قد وقعت بينهما ؛ فأخبره النبي أنه لا تحل له ، وقال : «لا سبيل لك عليها» (٢).
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه البخاري (١٠ / ٥٧٢) ، كتاب الطلاق : باب صداق الملاعنة (٥٣١١) ، ومسلم (٢ / ١١٣١ ، ١١٣٢) ، كتاب اللعان (٥ / ١٤٩٤) ، وأحمد (٢ / ١١) ، والحميدي (٦٧١) ، وأبو داود (١ / ٦٨٦) ، كتاب الطلاق : باب في اللعان (٢٢٥٧) ، والنسائي (٦ / ١٧٧) ، كتاب الطلاق : باب استتابة المتلاعنين بعد اللعان.