ثم المسألة في إباء الأيمان : إذا أبي أحدهم حدّ عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي ، وعندنا أنه لا يحد بالإباء ؛ فذهب من أوجب الجلد بالإباء إلى ظاهر قوله : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ) : أوجب الجلد في قذف الأجنبي إذا عجز عن إقامة الشهود ، ودرأ عنه الحدّ إذا أتى بأربعة يشهدون ؛ فعلى ذلك درأ عن الزوجين الحدّ إذا شهد كل واحد منهما أربع شهادات بالله ، فوجب إذا أبي أحدهما الأيمان أن يحد ؛ إذ بالأيمان يدرأ الحد ويوجب اللعان.
والثاني : ما قال : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ) : جعل الأيمان سبب درء الحدّ عنها ؛ فإذا أبت ذلك لزم الحدّ.
وعندنا أنه لا يحدّ بالإباء ؛ لأنه ليس في الإباء ظهور الكذب ؛ إذ ليس كل من أبي اليمين يظهر كذبه فيه ؛ وإنما يحدّ لظهور كذبه في القذف ، وهو لا يعلم ، [و] لا يظهر بالإباء ، وإنما حدّ في الأجنبية إذا لم يأت بأربعة شهداء ؛ لأنه في الظاهر عند الناس كاذب ؛ لأنه ليس بينه وبين الأجنبية سبب ولا معنى يبعثه على إظهار ما ذكر ، وأمّا فيما بينه وبين زوجته سبب ومعنى يحمله على إظهار ذلك ، وهو الغيرة ، فإذا كان كذلك فهو في قذف الزوجة في الظاهر صادق عند الناس ؛ للسبب الذي ذكرنا ؛ لأنه طالب حق قبلها ؛ على ما روي : لا يوطئن فرشهن من يكره الأزواج ؛ فلا يزال صدقه بإباء اليمين ، وأما من قذف أجنبية فهو كاذب في الظاهر ؛ لعدم السبب الحامل على إظهار ذلك الكذب ، حتى يأتي ما يزيل الكذب وهو الشهود ، وفي الزوجة : على الصدق ، حتى يظهر بالأيمان ؛ لذلك افترقا ، ولأن الحدّ لا يقام بالإباء البتة.
ولأن الأيمان لا تقابل بشهادة العدول بحال ؛ ألا ترى أن من شهد عليه شاهدا عدل بحق ، فحلف هو بأيمان لم تقابل الأيمان بتلك الشهادة في سقوط الحق.
وأما قوله : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ) : جائز أن يكون ذلك في تلك المرأة التي في أمرها نزلت الآية ، علم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كذبها بالوحي ؛ ألا ترى أنه قال : إذا جاءت بكذا فهو لكذا ، وإذا جاءت بكذا فهو لكذا ، ثم إذا [بها] قد جاءت شبيها بالذي رميت به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو لا الأيمان لكان [لي] ولها شأن» (١) كذّبها ؛ حيث قال : «لو لا الأيمان لكان لي ولها شأن» ، فدرأت تلك المرأة العذاب عنها بالأيمان.
أو أن يكون العذاب الذي درئ عنها الحبس ؛ إذ من قولنا : أيهما أبي اليمين حبس ،
__________________
(١) تقدم.