هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٢٠)
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ).
أي : بالكذب (١).
(عُصْبَةٌ مِنْكُمْ).
أي : جماعة منكم.
ثم اختلف في قوله : (مِنْكُمْ).
قال قائلون (٢) : كانوا من أصحاب عائشة رموها بما ذكر في الآية.
وقال بعضهم (٣) : كانوا منافقين ، من نحو : عبد الله بن أبي رأس المنافقين ، وحسان ابن ثابت ، وغيرهما.
وقال بعضهم : كان ذلك من الفريقين جميعا : من أصحاب أبي بكر وأقربائه ، والمنافقين أيضا.
فإن كان ذلك من أصحاب عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقراباتها فذلك يخرج منهن على الغفلة والعثرة ، ليس على الانتقام والحقد ؛ لأن القرابات والمتصلين بالرحم لا يقصد بعضهم ببعض الانتقام والحقد بمثله ؛ فإذا كان كذلك فيخرج ذلك منهم إن كان مخرج الغفلة والزلة لا مخرج الانتقام.
وإن كان ذلك من المنافقين فهو على الانتقام وطلب الشين منهم لها ، وكأن في ظاهر الآية دلالة افتراء الإفك من المنافقين ، ثم تسامع المؤمنون بعد ذلك ، ويتلقى بعضهم من بعض ؛ حيث قال : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) ؛ فإن كان ذلك فهو على ما وصفنا : أن ذلك من المؤمنين غفلة وزلّة وعثرة ، ومن المنافقين انتقام وطلب شين ، والله أعلم.
وقوله : (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٣١٨).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٨٤٢).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٨٣٨) ، وعن الضحاك (٢٥٨٣٩) ، وابن زيد (٢٥٨٤٠) ، ومجاهد (٢٥٨٤٢).