قال بعضهم (١) : لا تحسبوه شرّا لكم ؛ لأنكم تؤجرون وتثابون على ما قيل فيكم من الفحش والقذف بما قرفوا به ؛ بل هو خير لكم في الآخرة ؛ على ما ذكرنا من الأجر.
ويحتمل قوله : (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) في الدنيا ؛ لما برأه الله مما قرفوا به ، ودفع عنهم تمكين ما قرفوا به ، ووعد لهم الجنة بقوله : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النور : ٢٦] ، وكان قبل نزول هذه الآية موهوم عند الناس فيها متمكن احتمال ذلك الفعل ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠] ، وقال : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ...) الآية [الأحزاب : ٣١] كانت كالمؤمنات جميعا موهوم عنهن عند الناس ، محتمل ذلك ؛ فلما قرفت ـ رفع الله ما كان موهوما عند الناس قبل ذلك ، ووعد لهم الأجر الكريم والرزق الحسن بقوله : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) : فلا شك أن ذلك خير لهم في الدنيا وشر لأولئك الذين رموها حتى لم يتجاسر أحد بعد ذلك ، ولا اجترأ أن يظن فيها ظن السوء ، فضلا عن أن يقول فيها سوءا ، وقصّة عائشة (٢) ـ رضي الله عنها ـ طويلة ، لكنا نذكر ما كان بنا إلى ذلك حاجة.
أو أن يقال : بل هو خير لكم لما أنزل الله ـ تعالى ـ فيهم آيات فيها براءتهم عما قرفوا به تتلى تلك الآيات إلى يوم القيامة ، وذلك خير لهم ، والله أعلم.
وقوله : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ).
إثمه : ما قرفها به.
(وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ).
هو ذلك المنافق الذي ألقى ذلك في الناس ، (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) : فيه دلالة أنه يموت على نفاقه ، وكذلك مات على نفاقه ؛ فلحقه ذلك الوعيد ، قيل : هو عبد الله بن أبي ابن سلول ، والله أعلم. وقال بعضهم (٣) : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) ، أي عظمه من المعصية ، يعني : عبد الله بن أبي ابن سلول (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) ؛ لأنه كان منافقا.
وقوله : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً).
قال بعضهم : هلا إذ سمعتموه قذف عائشة ـ رضي الله عنها ـ بصفوان كذبتم أنتم
__________________
(١) قاله ابن جرير بنحوه (٩ / ٢٧٥).
(٢) حديث الإفك أخرجه البخاري (٥ / ٦٠١) ، كتاب الشهادات : باب تعديل النساء بعضهن بعضا (٢٦٦١) ، ومسلم (٤ / ٢١٢٩ ، ٢١٣٧) ، كتاب التوبة : باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (٥٦ / ٢٧٧٠).
(٣) قالته عائشة ، أخرجه ابن جرير عنها (٢٥٨٤٧ ، ٢٥٨٤٨ ، ٢٥٨٤٩) ، وعن ابن عباس (٢٥٨٥٠) ، وابن زيد (٢٥٨٥٢) وغيرهم.