أولئك القذفة ، يقول : ألا ظن بعضهم ببعض خيرا ، وهلا قالوا : (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) ، يقول الله : هلا قالوا : القذف كذب مبين ، وعلى هذا يخرج ـ أيضا ـ قوله : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) ، أي : هلا قالوا لهم : جيئوا بأربعة شهداء على قذفكم إياهم ؛ فإذا هم (لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ).
ويحتمل أن يكون قوله : لو لا إذ سمعتموه ظننتم بهم ظنا : ما يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا دون أن قالوا : (إِفْكٌ مُبِينٌ).
أو أن يكون التأويل : إن لم يظن أحد منكم بنفسه إذا كان مع أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم [ذلك] ، فكيف ظن بصفوان ذلك إذا كان هو مع أزواجه؟!
أو أن يقال : إذا لم يكن يظن أحد منكم بأمهاته ومحارمه ذلك ، فكيف ظنّ بأزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهن أمّهاتكم وأمّهات جميع المؤمنين؟! والله أعلم.
وقوله : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ).
أي : لم يكن لهم بما قذفوا شهداء ، ولا يجدون على ذلك شهداء.
وجائز أن يكون قوله : (لَوْ لا) ، أي : لم يكن ؛ كقوله : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) [هود : ١١٦] ، أي : لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً) [هود : ١١٦]. وإلا على تأويل (هلا) يبعد ؛ لأنّه لم يكن لهم شهداء على ذلك ؛ فكيف يأتون؟!.
وقوله : (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ).
وإن أتوا بالشهداء على أمر عائشة كانوا كاذبين أيضا ؛ فدل أن تأويل قوله : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) ، أي : لم يكن شهداء ؛ فكيف قذفوها؟! والله أعلم.
وقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
هذا يحتمل وجهين :
[أحدهما] : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) : حيث أنزل في قذفكم عائشة بصفوان آيات في براءتهما حتى تبتم عن ذلك ، وإلا لمسّكم العذاب في الآخرة بذلك.
والثاني : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) لمسكم العذاب ، ولعاقبكم بما قلتم في عائشة في الدنيا ؛ على هذا التأويل : العذاب الموعود : في الدنيا ، وعلى التأويل الأول : الوعيد في الآخرة ، لكن بفضله ورحمته دفع عنكم ، والله أعلم.