وقوله : (فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ) ، أي : خضتم فيه.
وقال بعضهم في قوله : (بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) ، أي : بأمثالهم خيرا ، تأويله : لو لا ظن المؤمنون بأمثالهم خيرا دون أن يظنوا بهم شرا.
وفيما عظم الله ـ عزوجل ـ أمر القذف وشدد فيه ما لم يشدد في غيره ولم يعظم وجوه :
أحدها : قطع طمع أهل الفجور والريبة فيهن ، لئلا يطمع أحد منهم في المحصنات وأولاد الكرام ذلك الفضل ، فقطع طمعهم بما شدّد فيه ؛ لئلا يقرفن بذلك ، ولا يطمع فيهن ذلك.
والثاني : بترك الناس الرغبة في مناكحة المحصنات وأولاد الكرام ، ويرغبون فيمن دونهن ، ويحدث أيضا الضغائن والعداوة بين القذفة وبين المتصلين بالمقذوفات.
وقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) لكان كذا : هذا من الله على الإيجاب ، أي : قد كان منه ذلك ، وإذا كان مضافا إلى الخلق فهو على أنه لم يكن ذلك ؛ ولذلك تأولوه : هلا.
وعن ابن عباس أنّه قال في قوله : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ) ، يقول : قال للمؤمنين : (لَوْ لا) : هلا إذ بلغكم عن عائشة وصفوان (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) ، يقول : فظننتم بعائشة ظنكم بأنفسكم ، وعلمتم أن أمكم لا تفعل ذلك ، وكذلك المؤمنة لا تفعل ذلك ، وقلتم : هذا إفك مبين.
(لَوْ لا) : هلا جاءوا عليه بأربعة شهداء على قولهم ، ويصدّقوهم على مقالتهم ، فإذا لم يأتوا بالشهداء كذبتموهم ؛ فأولئك عند الله هم الكاذبون ، وهو قريب مما ذكرنا فيما تقدم.
وقوله : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) بالتشديد ، أي : تقبلونه ، وتلقونه ـ بالتخفيف ـ أي : تأخذونه من الولق ، وهو الكذب ، وكذلك قرأت عائشة (١).
وقال أبو عوسجة : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) ، أي : تقولونه ، قال : تلقيت الكلام ، ولقنت وتلقنت :
واحد.
وقوله : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) من غيركم.
(وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) فيما بينكم.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٩ / ٤٢٥) ، كتاب التفسير (٤٧٥٢) ، وابن جرير (٢٥٨٦٥ ، ٢٥٨٦٦) ، وابن المنذر والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٦١).