وجائز أن يكونا جميعا واحدا ، أي : تتكلمون بألسنتكم ، وتقولون بأفواهكم (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي : من غير أن تعلموا أن الّذي قلتم من القذف قد كان ، والله أعلم.
وقوله : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) قال بعضهم : تحسبون القذف ذنبا هينا.
(وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) في الوزر.
وجائز أن يكون قوله : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) : في الدّين ؛ لأن القذف يحدث نقصانا في الدين ، والنقصان في الدين عظيم عند الله وتحسبونه أنتم هينا.
ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة فقال : (لَوْ لا) يقول : [هلا](إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) أي : القذف ، (قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا) أي : ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا الأمر ، وهلا قلتم : (سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) لعظم ما قالوا فيها ، والبهتان : الذي يبهت ، فيقول : ما لم يكن من قذف أو غيره.
وقال أبو عوسجة : البهتان : الكذب ، يقال : بهت أي : كذب.
(يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) أي : القذف أبدا.
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) في بيان ذلك وبراءتهم ، أو يبين أوامره ونواهيه.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي : عليم بكل شيء من قول أو فعل ، حكيم يضع كل شيء موضعه.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) كان أصل النفاق هم الذين أحبوا أن تشيع الفاحشة ، وإلا أهل الإسلام لا يحبون ذلك في المؤمنين (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة ؛ لنفاقهم وقرف عائشة.
وأما في المؤمنين فهو ما قال : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). وروي عن عمرة عن عائشة قالت : لما نزل عذري قام رسول الله على المنبر ، فذكر ذلك ، وتلا القرآن ، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدّهم (١).
وعن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرب عبد الله بن أبي ، وحسان ، ومسطح بن أثاثة الحد ، وفي بعض الأخبار : وامرأة أيضا ، وقيل : خمسة ، لكل واحد ثمانين جلدة.
ثم ما ذكر من قذف عائشة أنه بهتان عظيم وقوله : (وَتَحْسَبُونَهُ وَهُوَ عِنْدَ اللهِ) ونحوه فجائز أن يكون في قذف كل محصنة بريئة دون أن يكون ذلك خصوصا لعائشة ، وهو كما
__________________
(١) أخرجه أحمد (٦ / ٣٥ ، ٦١) ، وأبو داود (٢ / ٥٦٧ ، ٥٦٨) ، كتاب الحدود : باب في حد القذف (٤٤٧٤) ، والترمذي (٥ / ٢٤٤) ، في التفسير باب : ومن سورة النور (٣١٨١) ، وابن ماجه (٤ / ١٧٧) ، كتاب الحدود : باب حد القذف (٢٥٦٧).