يحب أن تشيع الفواحش في المؤمنين ، إنما ذلك عادة المنافقين.
ثم اللعن في الدنيا هو الحدّ الذي ضرب ، وفي الآخرة العذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، وعظيم كأنه ذكر اللعن والعذاب الأليم إذا لم يتوبوا ، وماتوا على النفاق ، فعند ذلك يكون لهم ما ذكر ؛ ويدل لما ذكرنا أن الآية في المنافقين قوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ...) الآية ، وإنما تشهد هذه الجوارح على الكافر لإنكاره باللسان ، وأمّا المؤمن فإنه مقر بذلك كله لا يحتاج إلى أن تشهد عليه الجوارح ، وهو ما قال : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ ...) الآية [يس : ٦٥] ونحوه ، كأنهم ينكرون ذلك في الآخرة كما أنكروا في الدنيا كقوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ) [المجادلة : ١٨] أخبر أنهم يحلفون لله في الآخرة كما كانوا يحلفون لرسول الله في الدنيا ، فجائز : أن ألسنتهم تشهد عليهم بعد ما أنكروا ، وتشهد عليهم سائر الجوارح إذا أنكروا ، وهو ما قال في آية أخرى : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ ...) الآية [فصلت : ٢٠].
(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ...) الآية [فصلت : ٢١] تكون شهادة الألسن بعد ما أنكروا هم ذلك ، وحلفوا ؛ فعند ذلك تشهد عليهم ألسنتهم ، والله أعلم (١).
وقوله : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) يؤمنون به جميعا يومئذ ، ويقرون بالحق ، لكن لا ينفعهم إيمانهم يومئذ ؛ كقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) ، (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) ، أي : يعلمون أن ما دعاهم الرسول إليه من توحيد الله ، والإقرار بالربوبية له والألوهية هو الحق المبين ، أي : تبين ذلك ، والحق المبين : ما يبين ما يؤتى وما يتقى ، وما يحل مما يحرم.
وقوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) اختلف فيه :
قال بعضهم (٢) : الخبيثات من الكلمات والقول [للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس للخبيثات من الكلمات والقول] ، والطيبات من الكلمات للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات.
وقال مجاهد : هو القول السيئ والقول الحسن ، فالحسن للمؤمنين والسيئ للكافرين. وذلك ما قال الكافرون من كلمة طيبة فهي للمؤمنين ، وما قال المؤمنون من كلمة خبيثة
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : وأما إذا تابوا عن النفاق وعما وجد منهم من القذف ، فإن الله غفور رحيم ، ومما يدل على أن الآية في المنافقين ما ذكر على أثره ، وهو قوله : «يوم تشهد ...» شرح.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٨٩١) وعن مجاهد (٢٥٨٩٢ ، ٢٥٨٩٣ ، ٢٥٨٩٥) ، والضحاك (٢٥٨٩٨ ، ٢٥٨٩٩) ، وسعيد بن جبير (٢٥٩٠١ ، ٢٥٩٠٢) ، وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ٦٦).