بأدب الله ، وروي في بعض الأخبار : (أن من دخل بيتا بغير إذن قال له الملك الموكل به : عصيت وآذيت فيسمع صوته الخلق كله غير الثقلين ، ويصعد صوته إلى السماء الدنيا ، فيقول ملائكة السماء : إن فلانا عصى ربه وأذى).
وقوله : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) هذا يدل على أن الاستئذان وطلب الإذن لا لحيث أنفسهم خاصة ولكن لأنفسهم ولما لهم في البيوت من الأموال ؛ لأنه قال : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها) لم يأذن لهم بالدخول فيها وإن لم يكن فيها أحد حتى يأذن أرباب الأموال والمنازل بالدخول فيها ؛ ليعلم أن النهي عن الدخول للأنفس والأموال جميعا ؛ لأن الناس يتخذون البيوت والمنازل صونا للأنفس والأموال جميعا ، فكما يكرهون اطلاع غيرهم على أنفسهم وعيالاتهم فلا يطيب أنفسهم أيضا [باطلاع غيرهم] على أموالهم وأمتعتهم فلا يدخل إلا بإذن من أهلها (١) ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ) ذكر في بعض الأخبار أن الاستئذان ثلاث من لم يأذن له فيهن فليرجع ؛ أما الأولى : فيستمع الحي ، وأمّا الثانية : فيأخذون حذرهم ، وأما الثالثة : فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا (٢).
وقيل (٣) : لا تقعدن على باب قوم ردوك عن بابهم ؛ فإن للناس حاجات ولهم أشغال ، والله أعذر بالعذر.
وفي بعضها : وما تنقم من شيء بابن آدم هو أزكى لكم.
وقوله : (هُوَ أَزْكى لَكُمْ) ؛ لأنه إذا لم يؤذن بالدخول فقعدوا على بابهم ولم يرجعوا ، أورث ذلك معاني تكره :
أحدها : تهمة على أهل الدار على ما يقعد على أبواب أهل التهم من الشرطي وغيره فذلك مكروه عند الناس.
والثاني : يكون للناس أشغال وحاجات في منازلهم وخارج المنازل ، فإن انتظر وقعد على بابهم ضاق بذلك ذرعهم وشغل قلوبهم ذلك فلعل حاجاتهم لا تلتئم لشغلهم به ؛ لذلك كان الرجوع أزكى لهم وخيرا لهم من القعود على الباب والانتظار ، والله أعلم.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فيهن وإلا فارجع» (٤).
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٣٤٥ ، ٣٤٦).
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ٣٤٤).
(٣) أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قتادة ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧١).
(٤) أخرجه البخاري (١٢ / ٢٩٠ ، ٢٩١) ، كتاب الاستئذان : باب التسليم والاستئذان ثلاثا (٦٢٤٥) ، ومسلم (٣ / ١٦٩٤) ، كتاب الآداب : باب الاستئذان (٣٣ / ٢١٥٣) ، وأبو داود (٢ / ٧٦٦ ، ٧٦٧) ، كتاب الأدب : باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان (٥١٨٠).