الترغيب.
ثم تزويج العبد يخرج كأنه فعل المعروف ؛ إذ في ذلك إلزام مؤن بلا عوض يحصل له ؛ ألا ترى أنه لا يملكه إلا من يملك المعروف من نحو الوصي والأب والمكاتب والعبد المأذون له في التجارة؟ ولا كذلك تزويج الإماء ؛ إذ يملك هؤلاء ذلك ، وكل مكتسب خير له لنفسه أو لغيره.
ثم جرى الوفاق بينهم : أن للولي أن يزوج أمته شاءت هي أو أبت ، واختلفوا في تزويج العبد امرأة :
قال بعضهم : [ليس] له ذلك إلا برضاء العبد.
وقال بعضهم : له ذلك شاء أو أبى.
ثم الناس اختلفوا في قوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) قال بعضهم : الأيامى منهن : الإناث من الأحرار دون الذكور ، واستدلوا ببطلان النكاح وفساده إذا كان بغير إذن الولي بهذه الآية ؛ لأن الله تعالى أمر الأولياء وخاطبهم أن يزوجوهن ؛ كما أمر المولى بتزويج أمته ، فأوجب للمولى الولاية كما أوجبها للولى وإن كانا مختلفين في الولاية.
لكن عندنا لو كانت الآية خرجت على التفسير على ما يقول خصومنا (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) الإناث ـ لم يكن فيه دليل على ما قالوا هم ، ويخرج ذلك على وجوه :
أحدها : على الترغيب في إنكاحهن لما [لا] يتولى هن النكاح بأنفسهن حياء ، ويستحيين التكلم بذلك حتى من فعلت ذلك منهن بنفسها صارت مطعونة عندهن.
أو أن يخرج ذلك مخرج المعونة لهن على ما ذكرنا ؛ ألا ترى إلى ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنه من بلغ ولده النكاح وعنده ما ينكحه فأحدث ، فالإثم بينهما» (١) ، فهذا يدل ـ والله أعلم ـ على وجه المعونة في تزويج الأب الابن البالغ ، فإذا كان الأب مأمورا من جهة التأديب على المعونة بتزويج ابنه ، ولا يوجب ذلك عليه ولاية إذا كره ذلك ؛ فكذلك يكون مأمورا بتزويج ابنه من طريق المعونة ، أو جهة الحياء ، أو أن يخرج ذلك على ما قال خصومنا من إيجاب الولاية له عليها.
ثم رأينا أنها إذا رغبت في النكاح ورضيت به وكره وليها ذلك ، جبر الولي على الإنكاح ، وإن هي كرهت النكاح وأبت ، ورغب الولي في ذلك وشاء ، لم تجبر هي على ذلك ؛ دل ذلك على أن الحق لها عليه دون أن يكون الحق في ذلك له عليها ، فإذا كان
__________________
(١) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس ، كما في كنز العمال للهندي (٤٥٣٣٧).