وألوهيته وربوبيّته ، أو ذكرت دلالة رسالاتك أو دلالة البعث ، يحتمل ذكر دلالة هذه الأشياء الثلاثة ؛ لأنهم كانوا منكرين لهذه الأشياء ؛ فعند [ذلك](١) ذكرها.
يولّون على أدبارهم نفورا : يحتمل الهرب والإعراض ، ويحتمل الكناية عن الإنكار والتكذيب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى).
كأنهم يستمعون إلى القرآن : إما لما يستحلون نظمه ورصفه (٢) ، أو يستمعون إليه ؛ لما فيه من الأنباء العجيبة ، أو يستمعون إليه ؛ ليجدوا موضع الطعن فيه ، فإن كان استماعهم للوجهين الأولين فإذا [جاء](٣) موضع الخلاف والتنازع ، وهو ما يذكر فيه من دلالة الوحدانية ودلالة الرسالة ودلالة البعث ، عند ذلك كانوا يولون الأدبار نافرين ؛ لإنكارهم ، وإن كان الاستماع لطلب الطعن ـ فهو محتمل أيضا.
واختلف في قوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ).
قيل : كانوا يستمعون إليه ليكذبوا عليه ؛ كقوله : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) [المعارج : ٣٦ ، ٣٧] ، كانوا يسرعون إلى استماع ما يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليكذبوا عليه.
وقال بعضهم : كانوا يستمعون إليه ؛ ليجدوا موضع الطعن فيه.
وقال بعضهم : استمعوا إليه ليروا الضعفة والأتباع أنهم إنما يطعنون فيه بعد ما استمعوا إليه وعرفوه ؛ فيقع عندهم أن الطعن كان في موضع الطعن ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى).
قيل (٤) : أي : يتناجون فيما بينهم أنه مسحور وأنه مجنون وأنه كاهن ، ثم أخبر الله نبيّه ما أسرّوا فيه وتناجوا بينهم ؛ ليدلهم على رسالته وأنه إنما عرف بالله ، وسماهم ظالمين ؛ لما علموا أنه ليس بمجنون ولا مسحور ولكن قالوا ذلك له ونسبوه إلى ما نسبوه من السحر والجنون ، على علم منهم أنه ليس كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ).
بالمجانين والسحرة والكهنة ؛ (فَضَلُّوا) ، أو ضربوا لك الأسباب التي تزجر الناس وتمنعهم عن الاقتداء بك مما وصفوا له ونسبوه إليه من السحر والجنون والكهانة ؛ فذلك
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : وصرفه.
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٣٤٢).