سبق له في علمه الشقاء.
ثم قال : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) يعني : ويصف الله الأمثال للناس ؛ ليؤمنوا بالله ويوحدوه ويعرفوا نور نبيه من صنيعه ، ويصدقوا بإبراهيم ومحمد ـ عليهما أفضل الصلوات ـ أنهما رسولا الرب ، وهو تأويل مقاتل.
وقال أهل الكلام : قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : أنار الله لأهل السموات والأرض ، مثل نوره الذي به أنار ما ذكر مثل المشكاة التي ذكر إلى آخره.
وجائز أن يكون قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : بالله نور أهل السموات وأهل الأرض ؛ ألا ترى أنه قال : (مَثَلُ نُورِهِ) كذا ، ولم يقل : مثله ، ولو كان النور هو الله على ما قاله قوم وفهموه ، لقال : «الله نور السموات والأرض مثله كذا» ، ولم يقل : (مَثَلُ نُورِهِ) ، فدل قوله : (مَثَلُ نُورِهِ) كذا أنه لم يرد بالنور نفسه ، ولكن ما ذكرنا أنه به نور أهل السموات وأهل الأرض ؛ ألا ترى أنه قال في آخره : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أنه لم يرد بالنور ما فهموا ، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) دل أنه ليس على ما فهموه به : أنه نور كسائر الأنوار التي عاينوها ويشاهدوها وهم المشبهة ، على هذا يخرج تأويل ابن عباس حيث قال : الله هادي أهل السموات والأرض.
وقوله : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) جائز أن يكون قوله : (مَثَلُ نُورِهِ) أي : مثل نور المؤمن الذي في قلبه مثل مشكاة فيها مصباح ؛ لأن المشكاة هي الكوة التي لا منفذ لها يدخل فيها الأنوار ، فتكون مظلمة ، فإذا جعل فيها المصباح أضاء ذلك كله وأناره حتى لا يبقى فيها ناحية إلا وقد أصابها الضياء والنور ، فعلى ذلك القلب ، وهو مظلم إذ ليس له منفذ يدخل فيه النور من الخارج ، فإذا أنار الله قلبه بإيمانه ظهر ذلك النور وأثره في جميع نواحيه وجوارحه ، وهو ما قال : «أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه» ، أخبر أن من شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، فهذا يدل أن قوله : (مَثَلُ نُورِهِ) إنما هو مثل نور المؤمن ، وعلى ذلك روي في حرف أبي بن كعب أنه قرأ : مثل نور المؤمن كمشكاة (١) ، وفي حرف ابن مسعود : مثل نوره في قلب المؤمن.
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف ، كما في الدر المنثور (٥ / ٨٦).