الْوَدْقَ) أي : المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) و (خِلالِهِ) ، (سَنا بَرْقِهِ) ضوؤه.
قال أبو عوسجة : والركام : الكثير المتراكم الذي بعضه فوق بعض ؛ يقال : ارتكم الشيء ، أي : صار بعضه على بعض ، ويقال : ركمت المتاع أركمه ركما : إذا جعلت بعضه فوق بعض ، والودق : المطر ؛ يقال : ودقت السماء تدق ودقا : أي : مطرت (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي : من بينه ، وواحد الخلال : خلل ، (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) السنا مقصور ، وهو الضوء ؛ يقال : السنا : النار ، وهو واحد.
وقوله : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) هو ـ والله أعلم ـ صلة قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية ؛ ذكر السحاب وما فيه من التدبير والعلم والحكمة ، وذكر ـ أيضا ـ تقليبه الليل والنهار وما فيهما من التدبير والعلم والحكمة والقدرة ؛ فعلى ذلك قوله : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) يذكر قدرته وسلطانه وعلمه وتدبيره ؛ أخبر أنه خلق الخلائق كلهم من هذا الماء ، على اختلاف أجناسهم وجواهرهم من شيء واحد وأنهم لم يكونوا بالطباع كذلك ، ولكن بتدبير واحد عالم بذاته ، لا بعلم وتدبير مستفاد ، ولكن علم ذاتي ؛ إذ لو كانوا بالطباع لخرجوا على تقدير واحد وصفة واحدة.
والثاني : أنه لا أحد من حكماء البشر يدرك كيفية إنشاء هذا العالم ، وخلق هذه الخلائق من هذه المياه فإنه خلق ذلك ، وليس في تلك المياه معنى ولا شيء من جوهر الخلائق دل إنشاؤه إياهم أنه قادر بذاته ، لا يعجزه شيء يخلق بسبب وبغير سبب ، وأنه خلق الخلائق بحكمة ذاتية ؛ إذ لم يدرك ذلك حكماء البشر.
ودل خلق هذه الخلائق على هذه المعاني والأسباب أنه لم يخلقهم عبثا ليتركهم سدى ، لا يأمرهم ولا ينهاهم ؛ فإذا ثبت الأمر والنهي ثبت الإحياء من بعد الممات للجزاء.
ودلت قدرته على خلق هذه الخلائق من الماء أنه قادر على الإحياء ، وأنه لا يعجزه شيء ؛ لأن من قدر على هذا لقادر على ما ذكرنا (١).
وقوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) يذكر هذا ـ والله أعلم ـ لأحد وجهين :
إما تذكيرا إياه نعمه ومننه وفضله الذي أعطاهم وإحسانه الذي أحسن إليهم ؛ لأنه أخبر أنه خلق هذا العالم معتدلا سويّا من غير أن كان منهم اختيار لذلك.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٤ / ٤٢٣).