منها الثلج والبرد.
وقال بعضهم : جبال خلقها الله من برد في السماء ثم ينزل.
وليس في الآية بيان أن الجبال التي ذكر أنها من السماء أنها من ثلج أو برد ، سوى أنه أخبر أن فيها بردا ؛ فالأشياء تشبه بالجبال وتنسب إليها ؛ إما للكثرة ، وإما للشدة والغلظ والعظم ثانيا ؛ كقوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً ...) الآية [النمل : ٨٨] ؛ فجائز أن تكون الجبال المذكورة في هذه الآية هي الجبال التي أخبر أنه ينزلها ، أو لا يدري أين هي : في السماء أو فيما بين السماء والأرض؟
وقوله : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) في نفسه أو زرعه أو ثمره فيضره ، (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) فلا يصيبه ، وإن كان على هذا فهو يخرج على (١) التعذيب ، وكذلك عمل البرد يفسد في مكان ، ويترك مكانا لا يعمه ، ولكن يصيب مكانا ويخطئ مكانا.
وجائز أن يكون قوله : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) من بركته (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) من بركته ، (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) قيل : ضوء برقه ، كاد أن يقارب أن يذهب ضوء البرق بالأبصار من شدة نوره ، (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) تقليبه الليل والنهار واختلافهما : يأتي بهذا ويذهب بالآخر.
يذكر هذا ـ والله أعلم ـ صلة قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية ؛ يخبر عن سلطانه ، وقدرته ، وتدبيره ، وعلمه ، وحكمته ، ووحدانيته ، وقدرته ، ما ذكر من سوق السحاب بين السماء والأرض ، وتسخيره ، وضم بعضه إلى بعض ـ دل ذلك أنه قادر بذاته ، لا يعجزه شيء ، ودل نزول المطر وإصابته في مكان دون مكان ، وتخطيه موضعا دون موضع مع اتصال السحاب وانضمام بعض على بعض على السواء أنه على التدبير والعلم كان ذلك ، لا بطباع السحاب ، أو على جزاف.
ودل جريان الأمر واتساق التدبير فيما ذكرنا ، وفي اختلاف الليل والنهار ، وتقليبهما من حال إلى حال ، من النقصان إلى الزيادة ، ومن الزيادة إلى النقصان ، واتصال منافع السماء بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ـ أنّه تدبير واحد ، لا عدد ؛ إذ لو كان تدبير عدد ، لمنع بعض بعضا عما يريد من التدبير والنفع ، دل ذلك كله على أنه واحد ، عليم ، قادر ، مدبّر ، لا يعجزه شيء ؛ ولذلك قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) ؛ لما ذكرنا فيه من وجوه الاستدلال والاعتبار.
قال القتبي (٢) وأبو عوسجة : (يُزْجِي) أي : يسوق (رُكاماً) بعضه فوق بعض (فَتَرَى
__________________
(١) في أ : عن.
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٠٦).