عذرهم ويفوضون أمرهم إلى رسول الله على أن ينظر في ذلك : فإن رأى الصواب أن ينصرفوا صرفهم ، وإن رأى الصواب الكون والمقام معه أقاموا معه ، والمنافقون لا على ذلك كانوا يفعلون ، وعلى هذا ـ والله أعلم ـ جائز أن يخرج تأويل الآيات التي ذكرنا.
ثم قوله : (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) أي : مع رسول الله (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) اختلف فيه : قال بعضهم (١) : يوم الجمعة ، ويوم العيد.
وقال بعضهم (٢) : في الغزو والجهاد ، يخبر أن المؤمنين يكونون معه ، لا يذهبون عنه إلا بإذن ، والمنافقون يتسللون ويذهبون مستخفين منه ويخرجون من عنده ، وأصله : (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) أي : على أمر طاعة (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ).
قال بعض أهل التأويل : هذه الآية نسخت الآية التي في سورة براءة ؛ حيث قال في تلك : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ...) الآية [التوبة : ٤٣].
وقال هاهنا : (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) أذن له بالإذن لهم في هذه وعيره في ذاك بالإذن لهم ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا من التأويل.
وقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأمر بالاستغفار لهم يخرج مخرج الأمر بالتشفع لهم.
وقوله : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : لا تجعلوا دعاء الرسول إياكم إلى ما يدعوكم إليه كدعاء بعضكم بعضا : مرة تجيبونه ، ومرة لا تجيبونه ، كما يجيب بعضكم بعضا إذا دعاه مرة ، ولا يجيبه تارة ؛ بل أجيبوا رسول الله في جميع ما يدعوكم إليه في كل حال تكونون.
والثاني : لا تجعلوا دعاءكم الرسول إذا دعوتموه كما يدعو بعضكم بعضا يقول يا فلان ، ولكن ادعوا باسم هو مخصوص به : يا رسول الله ، ويا نبي الله ؛ على ما أقررتم أنه مخصوص من بينكم ، ليس كمثلكم في الدعاء والإجابة ، اجعلوه مخصوصا تعظيما له وإجلالا ، وخصوصية له وفضيلة ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) [الحجرات : ٢].
وقوله : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً).
__________________
(١) قاله مكحول أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٢٥٧) ، وعن الزهري (٢٦٢٥٩) ، وابن زيد (٢٦٢٦٠).
وأخرجه عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ، كما في الدر المنثور (٥ / ١١٠).
وأخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ، كما في المصدر السابق.
(٢) انظر ما سبق.