على أن يقول أحد منهم ذلك.
وقال أبو بكر : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) : ثوابه ، (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) : نقمته ؛ حيث قال : فهم من الوعيد ما قال : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ ...) الآية [الأنبياء : ٢٩] ؛ فقد أثبت لهم الوعيد فيه ، لكن ثوابه ما يتلذذ به وعذابه ما يتألم به ويتوجع.
ومنهم من يقول من أهل التأويل (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) ، أي : جنته ، لكن هذا يشبه أن يكونوا يرجون صحبة أهل الجنة ؛ كقوله : (يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ...) الآية [الرعد : ٢٣ ، ٢٤].
وجائز عندنا صرف قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) إلى الأصنام التي عبدوها من دونه أيضا ، ويكون تأويل : (يَدْعُونَ) : يبتغون ، أي : لو لم يكن لهم من العبادة والطاعة ، وركب فيهم من أسبابها لكانوا كما ذكر ، وهو كقوله : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) [الحشر : ٢١] ، أي : لو مكن له وركب فيه ما ركب في البشر ومكن لهم (لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) على ما ذكر من سفه أولئك الذين عبدوا [من](١) دون الله ؛ يقول : كيف تعبدون من لو مكن من العبادة والطاعة لكانوا يبتغون بذلك الوسيلة إلى ربهم؟! أو كيف تعبدون من هو بطاعة ربه يبتغى الوسيلة إليه؟! ؛ إن كانت الآية في الملائكة ؛ كأنه يذكر سفه أهل مكة ؛ حيث سألوا العذاب بقوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً ...) الآية [الأنفال : ٣٢] ونحوه ، وأهل السماء والأرض جميعا يحذرون عذابه.
وقوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ) ما ذكر : ليس هو بأمر في الحقيقة ، وإن كان ظاهره أمرا ؛ ولكن إخبار عن عجز ما يدعون من دونه ، وتعجيز ما ذكر من كشف الضرّ ودفعه والتحويل ، وكذلك قوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً ...) الآية [الإسراء : ٥٠] : ليس هو بأمر ؛ إنما هو إخبار عن قدرته أنه لا يعجزه شيء ، وإن بدلتم أصلب الأشياء وأعظمها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) ، أي : دفعه وردّه ، (وَلا تَحْوِيلاً) : يحتمل وجهين :
أحدهما : فلا يملكون تحويل ذلك الضرّ إلى غيركم ولا صرفه.
والثاني : (وَلا تَحْوِيلاً) من الأشد والأثقل إلى الأخف والأيسر [والأهون](٢).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.