كقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، وإمّا أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره وكذبوا رسله ، وهو ما ذكرنا من الانتقام.
وقال بعضهم : يميت [أهل] القرية [الصالحة](١) بآجالهم ، وأمّا القرية الظالمة (٢) فيأخذها بالعذاب الذي ذكر ؛ فهو في القرون الماضية إن احتمل ذلك.
ويشبه أن يكون قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، وهو أن يهلك رؤساء (٣) الكفرة وقادتهم ؛ فيصير الدّين كله دينا واحدا ، وهو الإسلام ؛ على ما قال بعض أهل التأويل في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) [الرعد : ٤١] قالوا : هو أن يهلك أهل الكفر ؛ فيجعل ملك أهل الكفر لأهل الإسلام ؛ فذلك نقصانها من أطرافها : لا يزال ينقص أهل الكفر قرية فقرية وبلدة فبلدة ؛ حتى تصير الأرض كلها لأهل الإسلام ، وهو ما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها» (٤) ، فذلك ـ والله أعلم ـ تأويل قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) ، أي : نهلك أهل الكفر.
ويشبه أن يكون قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) : على ما أخبر أنه كان يفني جميع من كان على وجه الأرض ، ويجعل الأرض مستوية لا بناء فيها ولا ارتفاع ، حيث قال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] ، وقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ ...) الآية [طه : ١٠٥] ، وقال : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ...) الآية [الواقعة : ٥] أخبر أنه لا يبقي عليها أحد ولا بناء ، فتصير كلها (قاعاً صَفْصَفاً. لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٦ ، ١٠٧] ؛ فذلك إهلاكها وتعذيبها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً).
قال بعضهم (٥) : كان ذلك في الكتاب الذي عند الله ـ وهو اللّوح المحفوظ ـ مكتوبا.
وقال بعضهم : كان ذلك في جميع كتب الله التي أنزلها على رسله مكتوبا ، أي : ما من كتاب أنزله الله على رسله إلا وكان فيه (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] ، و (كُلُّ نَفْسٍ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : الطالحة.
(٣) زاد في ب : أهل.
(٤) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢١٥) ، كتاب الفتن وأشراط الساعة : باب هلاك هذه الأمة بعضهم بعضا (١٩ / ٢٨٨٩) ، والترمذي (٤ / ٤٦) ، أبواب الفتن باب ما جاء في سؤال النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثا في أمته (٢١٧٦) ، وأبو داود (١ / ٤٩٩) كتاب الفتن والملاحم : باب ذكر الفتن ودلائلها (٤٢٥٢) ، وابن ماجه (٥ / ٤٤٢) ، كتاب الفتن : باب ما يكون من الفتن (٣٩٥٢).
(٥) قاله البغوي (٣ / ١٢٠) ، وابن جرير (٨ / ٩٨) ، وأسنده عن ابن زيد بنحوه (٢٢٣٩٧).