ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، مسطورا ، والله أعلم.
وقوله عزوجل ـ : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ).
أخبر أنه ليس يمنعه من إنزال الآيات إلا تكذيب الأوّلين بها.
فإن قيل : فأى شيء فيما يكذب الأولون بالآيات ؛ ما يمنع إنزالها على هؤلاء؟
قيل : كأنه على الإضمار ، أي : ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا علمنا بأن الآخرين يكذبون بها كما كذب بها الأوّلون.
فإن قيل : عن هذا يسأل : أن علمه بتكذيب الآخرين كعلمه بتكذيب الأولين ، ثم لم يمنع علمه بتكذيب الأولين إياها إنزالها كيف منع علمه بتكذيب الآخرين ذلك؟! أو ليس قد أرسل الرسول ، وأنزل الكتاب على علم منه أنهم يكذبون الرسول والكتاب ، ثم لم يمنع علمه بذلك إنزاله الكتاب وإرساله الرسول؟! فكيف منع علمه بتكذيب الآيات منهم عن إرسال الآيات ، ولم يمنع علمه بتكذيب الرسول [والكتاب](١) على بعث الرسول وإنزال الكتاب؟!
قيل : إنه قد مضى من سنته أنه إذا أنزل الآيات على أثر السؤال ـ أعني : سؤال الآيات ـ فكذبوها أهلكهم ؛ هكذا مضت سنته في القرون الماضية (٢) ، ثم قد سبق من وعده ألا يهلك هذه الأمة إهلاك تعذيب واستئصال في الدّنيا ؛ رحمة منه وفضلا على ما أخبر رسوله ؛ حيث قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] ، فرحمته أن منّ عليهم بإبقائهم وإزالة العذاب عنهم في الدنيا واستئصالهم ؛ فكأنه قال ـ والله أعلم ـ : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا ما سبق من وعدنا ورحمتنا : ألا نهلك هذه الأمّة إهلاك استئصال وتعذيب ، فذلك الوعد والرحمة الّذي ذكرنا منعنا عن إرسال الآيات على علم منّا أنهم يكذبونها إذا أرسلناها إليهم ، وقد مضت السنّة منا على الإهلاك إذا أنزلنا الآيات على أثر سؤالهم إياها ثم التكذيب من بعد ، ثم قد سبق الوعد لهؤلاء ألا يهلكوا في الدنيا إهلاك تعذيب ؛ رحمة منه لهم على ما أخبر أنه لم يرسل إلا رحمة للعالمين.
وأصله : أن الله ـ عزوجل ـ قد أنزل الآيات والحجج [على إثبات رسالة الرسل آيات كافية ، وحججا تامة ما لم يقع لهم الحاجة إلى غيرها من الآيات والحجج](٣) ، فما سألوا من الآيات والحجج من بعد إنما سألوا سؤال تعنت وتمرد ، لا سؤال استرشاد واستهداء ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : الأولى.
(٣) ما بين المعقوفين سقط في ب.