فإذا كان سؤالهم الآيات سؤال عناد وتعنت ـ أهلكوا إذا كذبوها ، ولم ينظروا (١) ؛ كقوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [الأنعام : ٨] ، وقوله : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [الحجر : ٨] ، ونحوه ؛ ألا ترى أن عيسى ـ عليهالسلام ـ سألوه أن يسأل ربّه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ؛ لتكون لهم آية منه ؛ فسأله ، فأخبر أنه ينزلها عليكم ، ثم أخبر ما يفعل بهم إذا كفروا بعد ذلك ، وهم كانوا يسألونه سؤال تعنت وتمرد ؛ فقال : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) الآية [المائدة : ١١٥].
هكذا كانت سننه فيمن سأل الآيات سؤال تعنت وعناد.
وجائز أن يكون الذي منع عن إرسال الآيات على أثر السؤال وإهلاك هذه الأمة : ما يكون من الإسلام من نسل (٢) هذه الأمة بعد نبيهم ، وإبقاء التناسل إلى يوم القيامة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً).
قيل : آية لرسالة صالح.
وقال بعضهم : (مُبْصِرَةً) ، أي : معاينة يعاينونها أنها آية من الله لهم ؛ حيث رأوها مخالفة لنوقهم ، وهو ما قال : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣].
(فَظَلَمُوا بِها) ، أي : كذبوا بها وجحدوها ثم عقروها بعد علمهم أنها آية من الله لهم ؛ حيث رأوها وعاينوها خلافا لنوقهم ، خارجة عن نوق البشر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً).
قال ابن عباس (٣) والحسن (٤) وغيرهما : الموت الذريع ، أي : السريع.
وقال بعضهم : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) للناس ؛ فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا.
أو يقول : وما نزل بالآيات مقرونة بالسؤال سؤال التعنت فكذبوها ـ (إِلَّا تَخْوِيفاً) للهلاك ، على ما ذكرنا من الآيات التي سألوها. أو أن يكون قوله : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) : على أثر السؤال بها ثم التكذيب لها ، (إِلَّا تَخْوِيفاً) لمن تأخر ممن سأل مثلها فكذب
__________________
(١) في ب : يناظروا.
(٢) في أ : مثل.
(٣) أخرجه ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٥).
(٤) أخرجه ابن جرير (٢٢٤٠٧) ، وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٥).