برسله ، لكنه عصمهم ، ومكن لهم ؛ حتى بلغوا الرسالة إليهم ؛ فعلى ذلك قوله : (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) بالعلم والقدوة والغلبة عليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) :
قال عامة أهل التأويل (١) : إن الرؤيا التي أراها إياه لم تكن رؤيا المنام ؛ ولكن رؤية يقظة ورؤيا عين ، معاينة بالتى تنام ، لا بالذي لا ينام منه لأنه روى عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «تنام عيناي ، ولا ينام قلبي» (٢) ، فإنما أراه من الرؤيا بالعين التي كانت تنام لا رؤيا قلب وعلم.
قال سعيد بن المسيب : (٣) هي رؤيا منام : روي أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم رأى قوما على منابر ، فساءه ذلك ، فذكر أنهم كانوا يعطون مالا ؛ فذلك فتنة لهم.
وقال بعضهم (٤) : إنه أري رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام كأنه يدخل المسجد الحرام آمنا ، فأخبر بذلك أصحابه أنه رأى ذلك ، فلما كان عام الحديبية ، وصرف عن البيت ارتاب بعض الناس في رؤياه ، فذلك فتنة للناس على ما أخبر ، لكنّه لم يبيّن له متى يدخل فيه ، وقد وعد أنه يدخل فيه آمنا ، وهو ما قال : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ ...) الآية [الفتح : ٢٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ، والفتنة : المحنة الشديدة ، فإن كان ذلك في الرؤيا التي رآها في مسير بيت المقدس ، وما أخبر من الآيات ـ لا يتوهم مثل ذلك بتعليم بشر ولا بسحر ؛ فذلك الذي أخبرهم أنه رأى فتنة لهم ومحنة في التصديق والتكذيب في الخبر الذي أخبر [من الآيات ، لا يتوهم ، مثل ذلك بتعليم بشر](٥) ، فإن كان على رؤيا منام فهو فتنة لما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه البخاري (٤٧١٦) ، والترمذي (٣١٣٤) ، وأحمد (١ / ٢٢١ ، ٣٧٠) ، وابن جرير (٢٢٤١٥) و (٢٢٤١٦) ، وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٥) ، وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وغيرهم.
(٢) أخرجه البخاري (٧ / ٢٧٦) ، كتاب المناقب : باب كان النبي صلىاللهعليهوسلم تنام عينه ولا ينام قلبه (٣٥٦٩) ، وأبو داود (١ / ١٠١) ، كتاب الطهارة : باب في الوضوء في النوم (٢٠٢) ، وابن خزيمة (٤٩) ، من حديث عائشة.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي ، في الدلائل وابن عساكر ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٦).
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٣٢) ، وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٦).
(٥) سقط في ب.