أي : كانت الشجرة الملعونة التي ذكرت في القران ـ أيضا ـ فتنة لهم (١) ؛ كقوله : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ...) الآية [الصافات : ٦٣ ، ٦٤].
ووجه فتنتها لهم : ما ذكر في القصّة : أنهم قالوا : إن محمّدا يقول : إنّ في النّار شجرة ، والنار من طبعها أن تأكل الشجرة ؛ فكيف يكون في النار الشجرة ، وهي تأكلها؟ ولكن لم يعرفوا أن شجر النار يكون من النار ، وشرابهم من النار ، وكذلك طعامهم من النار ؛ فإذا كان من النار لم تأكلها النار.
ومنهم من قال : الزقوم : هو الزبد والتمر ؛ فكيف يكون فيها ذلك؟! فيدعون بذلك الكذب عليه فيما يخبرهم : أن في النار شجرة ؛ فتلك الشجرة ـ أيضا ـ كانت فتنة لهم ومحنة في تصديق رسول الله وتكذيبه.
وسماها (الْمَلْعُونَةَ) قال بعضهم (٢) : إن العرب سمت كل ضارّ مؤذ ملعونا ؛ فلذلك سميت شجرة الزقوم ملعونة ؛ إذ كانت ضارة لأهلها مؤذية.
قال الحسن : سميت : ملعونة ؛ لما لعن أهلها بها ؛ فسميت باسم أهلها ، وهو ما سمي النهار مبصرا ، والنهار لا يبصر ؛ ولكن يبصر به ؛ فسمي باسمه ؛ فعلى ذلك هذا.
وأصل اللّعن : الطرد ؛ فطرد منها كل خير ونفع ؛ فهي ملعونة ، وكقوله : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦] : أضاف الإضلال إلى الأصنام [والأصنام](٣) ، لا صنع لها في ذلك ؛ لكن كثيرا من الناس ضلّوا بها ؛ فكأنها أضلتهم ، وكقوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الأنعام : ٧٠] ، أي : اغتروا بها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي الْقُرْآنِ) ، أي : ذكرت في القرآن ، وإلا : الشجرة لا تكون في القرآن ، وهو ما ذكر من المصائب وغيرها ، كقوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ...) الآية [الحديد : ٢٢] ، والمصائب لا تكون في الكتاب ؛ لكن ذكرت فيه ويخوفهم (٤) بما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) [هو ما ذكرنا في قوله : (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) وقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) فزادهم ما ذكر](٥).
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٣٢٢ ، ٣٢٣).
(٢) قاله البغوي (٣ / ١٢٢).
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : ويحق فهم.
(٥) ما بين المعقوفين سقط في أ.