نفهم (١) المعنى الذي به تقر على وجه الماء ، وإن كان دون ذلك في الثقل يتسفل فيه ويتسرب.
أو جعل ذلك بطبعه بحيث يقر على وجه الماء ولا يتسرب فيه ؛ لطفا منه ؛ فمن قدر على إنشاء ما يقر على وجه الماء لمعنى جعل فيه لا نعقله نحن ، أو بلطفه ـ لقادر على إنشاء هذا الخلق وإعادته بعد فنائه وذهابه ، وإن كانت عقول الخلائق لا تدرك ذلك ، وأفهام البشر تعجز عن دركه ؛ فكما قدر على إنشاء ما هو طبعه التسرب في الماء والتسفل فيه ، بحيث يقرّ ويركد على الماء يقدر على ما ذكرنا ، وحيث قدر على تسكين الأمواج في البحر ؛ ليعبر فيها ، وخلق رياحا فيها لتجرى السفن كما تجري بالماء الجاري ؛ فمن قدر على هذا يقدر على ما ذكرنا من الإحياء بعد الفناء.
وفيه ما ذكرنا من تذكير نعمه لنا ؛ لنشكره ، وتذكيره قدرته وسلطانه ؛ لنهاب منه ، ولا ننكر قدرته وسلطانه في شيء من الأشياء على ما أنكر قدرته بعض خلقه ؛ لقصور عقولهم عن درك ذلك. وفيه وجوه من الدلالة :
أحدها : تعليم الأسباب التي بها يوصل إلى قطع البحار والبرارى من اتخاذ السفن والحمل عليها وغير ذلك.
والثاني : تسخير البحار والبراري لنا ما لو لا ذلك ما تهيأ لنا استعمال ذلك.
والثالث : دلالة الرسالة ؛ إذ لو لا خبر السماء ، وإلا : ما يعرف أن ما يحتاج إليه هو في تلك البلدان النائية والأمكنة البعيدة ، وما يعلم أن ذلك الطريق يفضي إلى تلك الأمكنة إلا بخبر الرسول عن الله ، تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً).
قال بعضهم : أي : من رحمته أن جعل لكم الفلك والدواب ؛ لتصلوا بها إلى أرزاقكم التي في البلاد النائية البعيدة.
وقال بعضهم : إنه لم يزل بكم رحيما إذا تبتم ورجعتم عن ذلك.
أو كانت الآية في المؤمنين ؛ فهو لم يزل بهم رحيما ، وإن كانت في الأرزاق فيهم جميعا.
فإن قالت الثنوية : إنكم تصفون ربكم (٢) بالرحمة والرأفة ، وهو يميتكم ، ويقتلكم ، ويحمل عليكم الشدائد والمؤن العظام ؛ فذلك ليس من صفة الرحيم.
__________________
(١) في أ : ولأنفسهم.
(٢) في أ : تصورتم بربكم.