وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً)(٧٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ).
دل هذا على أنه قد كان من الكفرة شيء من الدعاء إلى شيء : يصير به مفتونا لو أجابهم إلى ذلك ، وكذلك كانت عادة الكفرة : كادوا أن يضلّوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويفتنوه عن الذي أوحي إليه ، ويصرفوه عنه ، كقولهم : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) [يونس : ١٥] ، هكذا كانت عادتهم : كانوا يطلبون منه الافتراء على الله والضلال على وجه المكر به ، لا ضلال تصريح وكفر تصريح ؛ ولكن معنى (١) ؛ يؤدى ذلك إلى الضلال والكفر ، يريدون منه المساعدة لهم في بعض ما هم فيه بما كانوا يرونه من الموافقة له والمساعدة ، لكن الله عصم رسوله عن جميع ما كانوا يطلبون منه ؛ بالآيات والحجج التي ذكر في كتابه ، وبالعقول ؛ كقوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ...) الآية [النساء : ٦٥] : أخبر أنهم لا يؤمنون حتى لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضى. ومن لم يكن معصوما يجوز أن يوجد منه حرج مما قضى به ، وكقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الأحزاب : ٥٧] ، ومن لم يكن معصوما يجوز أن يؤذي ولا يلحقه اللعنة ، وقوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ ...) الآية [الأحزاب : ٣٦] ، فمن لم يكن معصوما يجوز أن يكون الخيرة من أمره ، وقوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال : ١] ، وأمثاله [من الآيات](٢) مما يكثر عدّها.
وكذلك العقول تشهد أنه كان معصوما ؛ فمن أراد أن يصرف ويزيل عنه العصمة بتأويل يتأوّله في بعض الآيات ، أو بحديث يرويه ـ فإنا لا نقبل تأويله ، ولا خبره الذي روى ، ونشهد أنه كذب.
ويجوز أن يكون في خبره الذي روى معنى آخر سواه ؛ فليس له أن يروي إلا بالمعنى الذي كان فيه ؛ فتأويل أهل التأويل أنه ألقى الشيطان ولقنه عند تلاوته : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ١٩ ، ٢٠] ـ تلك الغرانيق العلى ، وشفاعتهن ترتجى.
وقال بعضهم (٣) : لا ندعك تستلم الحجر إلا أن تستلم آلهتنا ، ونحوه.
__________________
(١) في أ : يعني.
(٢) سقط في أ.
(٣) قاله سعد بن جبير أخرجه ابن جرير (٢٢٥٣٦) ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٥٢) ، وهو قول قتادة ومجاهد وغيرهما.