ذلك ؛ فلم يلبثوا بعده إلا قليلا ، حتى أهلكهم الله بالقتل يوم بدر وغيره ، وهو ما قال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) [محمد : ١٣] : ففيه دلالة أنهم أخرجوه ، وأنهم أهلكوا بذلك ، وكذلك كانت سنة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك.
وقال أهل التأويل في قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ، أي : ليستنزلونك من أرض المدينة ؛ حيث نزل بالمدينة ؛ قالت له اليهود : إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء والرسل إنما أرض الأنبياء والرسل أرض الشام ؛ فإن كنت نبيّا رسولا فاخرج إليها فخرج الرسول صلىاللهعليهوسلم متوجها إلى الشام ، فعسكر على رأس أميال ؛ لينتاب إليه أصحابه ؛ فنزل به جبريل بهذه الآية (١) ، لكن ذكرنا أن هذا وأمثاله لا يحتمل ؛ لأنه لا يجوز أن يخرج رسول الله من أرض المدينة إلى أرض الشام بقول أولئك اليهود ، من غير أن كان من الله إذن له في ذلك ، هذا لا يحتمل ولا يتوهم منه ذلك ، والوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم.
ويشبه أن يكون قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، أي : كادوا أن يفتنونك بالمكر والكيد والخديعة لك ؛ ليستفزونك من الأرض ، لا أنهم كانوا يطمعون أن يفتنوه ويضلوه عن الذي أوحي إليه على التصريح والإفصاح ؛ ولكن على جهة المكر به والخديعة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا) :
على قول الحسن : السنة في الأمم الذين قبله : أنهم إذا قتلوا الرسول أهلكوا أو (٢) عذبوا.
وعلى قول بعضهم : السنة فيهم : أنهم إذا أخرجوا الرسول من بينهم ؛ على علم منه : أنهم لا يؤمنون ، بعده الإهلاك. وعلى قول بعضهم : على الإخراج نفسه ، وهؤلاء قد أخرجوا رسولهم من بينهم بقوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ ...) الآية [التوبة : ٤٠].
وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ) [محمد : ١٣] ، لكنهم عذبوا تعذيب رحمة وإهلاك رحمة ، لا إهلاك استئصال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً). أي : لعذابنا تحويلا.
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنمه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٥٣).
(٢) في أ : و.