وقال غيره (١) : أرادوا منه أن يجعل لهم مجلسا على حدة ؛ ليسلموا ، فهمّ به أن يفعل ذلك ؛ لحرصه على إسلامهم ، وإشفاقا عليهم ، فمثل هذا يجوز الفعل إلا أن الرسل لا يجوز لهم أن يفعلوا شيئا ، وإن صغر ، إلا بإذن من الله ـ تعالى ـ ألا ترى أن يونس ـ عليهالسلام ـ لما خرج من عند قومه مغاضبا عليهم بغير إذن منه ـ عاتبه ربه بذلك معاتبة عظيمة ؛ حيث قال : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات : ١٤٣ ، ١٤٤] ، ومثل هذا لو فعله غيره من دونهم كان ممدوحا محمودا في ذلك ؛ فهذا يدل أن الأنبياء لم يكن لهم صنع شيء وإن قل إلا بإذن من الله ، والله أعلم (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) :
أي : ضعف عذاب الحياة ، وضعف عذاب الممات.
وقال أبو عوسجة : (ضِعْفَ الْحَياةِ) ، أي : مثل الحياة.
وغيره قال : (ضِعْفَ الْحَياةِ) : عذاب الدنيا ، (وَضِعْفَ الْمَماتِ) : عذاب الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) ، قيل : مانعا.
وقيل : ناصرا ينصرك ، وشافعا يشفعك [إلينا](٣) ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) :
قال الحسن : قوله : (لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ، أي : كادوا ليقتلونك ، وليخرجوك منها بالقتل ، وقد كانوا هموا قتله ، لكن الله عصمه عن ذلك ؛ بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) :
هكذا كان سنة الله في الأمم الخالية أنهم إذا قتلوا نبيهم : لم يلبثوا بعده إلا قليلا حتى أهلكوا. وقال بعضهم : هو على الإخراج نفسه ، إلا أن الله أخرجه إخراج هجرة إلى المدينة لما سبق من رحمته وفضله ألا يهلك هذه الأمة إهلاك استئصال ؛ فلو كانوا هم أخرجوه ـ لاستوجبوا به الإهلاك ؛ لما كان من سنته في الأولين إهلاكهم إذا أخرجوا رسولهم من بينهم.
وقال بعضهم (٤) : على حقيقة الإخراج منهم : أخرجوا رسول الله من بينهم ، وفعلوا
__________________
(١) قاله جبير بن نفير أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٥٢).
(٢) ينظر : اللباب (١٢ / ٣٥١).
(٣) سقط في أ.
(٤) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٢٥٥٠) ، و (٢٢٥٥١) ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٥٣) ، وهو قول مجاهد أيضا.