يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : القرآن يكون كناية عن صلاة الفجر ، كأنه قال : أقم (١) الصلاة لدلوك الشمس ، وأقم ـ أيضا ـ صلاة الفجر ؛ لأنه نسق على الأول ، ويحتمل قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) ، أي : قراءة الفجر ، أي : أقم قراءة الفجر.
ويجوز أن يقال : (القرآن) مكان (القراءة) ، كقوله : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) [القيامة : ١٨] ، أي : قراءته.
ثم من الناس من احتج بفرضية القراءة في الصلاة بهذا ؛ لأنه نسق على الأول على ما ذكرنا كأنه [قال](٢) (أقم القراءة).
ومنهم من يقول : إنما حث على قراءة الفجر دون غيرها من الصلوات لما طول القراءة فيها لتقصيره عن الأربع ؛ لأنه لم يجعل غيرها من الصلوات ركعتين فحث على قراءتها لهذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).
قال عامة أهل التأويل : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، أي : حرس الليل وحرس النهار ، وعلى ذلك رويت الآثار عن رسول الله (٣) صلىاللهعليهوسلم وعن الصحابة (٤).
وقوله : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) : أي : قراءة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، على هذا حمله أهل التأويل ، وعلى ذلك رويت الأخبار ، وإلا جاز أن يقال فيه [بوجه](٥) آخر : وهو أن تشهده القلوب والسمع والعقول ؛ لأن ذلك الوقت هو وقت الفراغ عن جميع الأشغال والموانع التي تشغل عن الاستماع والفهم عنه ما لا يكون
__________________
(١) في أ : اقرأ.
(٢) سقط في أ.
(٣) في الباب عن أبي هريرة ، أخرجه البخاري (٢ / ٣٣) ، كتاب مواقيت الصلاة : باب فضل صلاة العصر (٥٥٥) ، ومسلم (١ / ٤٣٩) ، كتاب المساجد باب فضل صلاة الصبح والعصر (٢١٠ / ٦٣٢) ، ومالك (١ / ١٧٠) ، كتاب قصر الصلاة في السفر باب جامع الصلاة (٨٢) ، عن أبي الزناد عن الأعرج عنه أن رسول الله قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة ، بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ـ وهو أعلم بهم ـ كيف تركتم عبادي فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون.
(٤) منهم أبو هريرة ، أخرجه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه ، وعن ابن مسعود ، أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير (٢٢٥٩٩) ، وابن المنذر والطبراني كما في الدر المنثور (٤ / ٣٥٥) ، وهو قول ابن عباس وأبي الدرداء وقتادة وغيرهم.
(٥) سقط في أ.