ظاهر هذا الخطاب يكون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث أمره أن يدعو بما ذكر ، وقد عرف هو ما أمره من الدعاء بقوله : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) ، فلا حاجة تقع لنا إلى أن نطلب المراد من ذلك ، إلا أن يكون لغير في ذلك اشتراك ، فعند ذلك يتكلف فيه ويطلب المراد منه.
وقد تكلم أهل التأويل في ذلك.
قال بعضهم (١) : قوله : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) ، كان النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة ثم أمر بالهجرة منها إلى المدينة وأمر أن يدعو بهذا الدعاء : (رب أدخلنى في المدينة مدخل صدق آمنا على زعم اليهود ، وأخرجني من المدينة إلى مكة مخرج صدق على زعم كفار مكة ظاهرا عليهم) ؛ ألا ترى أنه قال : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) عليهم ففعل الله ذلك له وأجابه ، وقد ذكرنا في غير موضع أن حرف (السلطان) يتوجه إلى وجوه ثلاثة :
يكون مرة عبارة عن حجة قاهرة غالبة.
ويكون عبارة عن ولاية نافذة غالبة.
ويكون عبارة عن اليد الغالبة الظاهرة أيضا ، وقد كان ـ بحمد الله ومنته ـ لرسول الله على الكفرة ذلك كله.
وقال بعضهم (٢) : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) في مكة ؛ ليعلم أهل مكة أني قد بلغت الرسالة (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) ؛ ليعلم يهود المدينة أني نصرت وبلغت ما أمرت به.
وقال الحسن (٣) : أخرجني من مكة مخرج صدق. وأدخلني في الجنة مدخل صدق.
وقال بعضهم (٤) : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) فيما حملتني من الرسالة والنبوة ، وما أمرتنى به لأؤديها على ما أمرتني ، وأبلغ الرسالة إلى الخلق على ما كلفتني ، (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) ، أي : أخرجني مما كلفتني سالما لا تبعة علي ، أو كلام نحوه.
وأصله : كأنه أمره أن يسأل ربه الصدق في جميع أفعاله وأقواله ؛ وفي جميع ما يعبده به من الدخول في أمر أو الخروج منه ؛ إذ لا يخلو العبد من هذين : من الدخول في أمر والخروج منه ، سأله الصدق في كل حال وكل دخول وكل خروج.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٦٤٤) ، وأحمد والترمذي وصححه ، وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل ، والضياء في المختارة عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٥٩) ، وهو قول الحسن وقتادة وابن زيد.
(٢) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٦٥٤).
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٢٦٥٢).
(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٦٥٠) و (٢٢٦٥١).