وحفظه بالكتابة والشهود ، ففي الصدقة والإنفاق منتهى الرحمة ، وفي الربا كامل القسوة والغلظة. وفي أحكام الدين والتجارة نهاية العدل والحكمة ، والدين قد أمرنا ببذل المال حيث ينبغي البذل ، وبترك الزيادة في المال إذا كان فيه ربا ، ثم أمرنا هنا بحفظ المال وتوثيقه في البيع والشراء والقرض والتجارة ، ومن هنا نعلم أن الإسلام دين ودولة ، وحكم وحكمة فبينا هو يهدينا إلى الإنفاق يحرم علينا الربا ، ثم يرشدنا في البيع والشراء حتى لا يضيع مال ولا يحصل شقاق ونزاع ولا غرابة إنه صراط الله العزيز الحكيم.
وليس ديننا دين رهبنة وفقر ، وقناعة وذل ، بل هو دين علم وعمل وجد واجتهاد ، وغنى وعزة حتى يتحقق قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (١).
فقانون الإسلام أن تجمع المال وتنميه ، ولكن من طريق الحلال ، وتحافظ عليه وتستوثق له بالكتابة والشهود ، ولعل ذلك هو السر في طول الآية ووضوحها وتكرار أحكامها حتى يفهم أحكامها العامة والخاصة.
وهاك أحكامها :
١ ـ يا من اتصفتم بالإيمان ودخلتم في الإسلام : إذا تعاملتم بالدّين المؤجل في الذمة بيعا أو سلما أو قرضا فاكتبوه وقيدوه فذلك خير لكم وأجدى ، والأمر هنا للإرشاد والندب.
٢ ـ وليكن فيكم كاتب للديون عادل في كتابته ، لا يميل ولا يحيد عن الحق فهو القاضي بين الدائن والمدين ولتحقق عدالته يشترط أن يكون عالما بشروط الكتابة ملما بأصولها.
٣ ـ لا يصح أن يمتنع كاتب عن الكتابة ما دام يمكنه ذلك وليكتب كتابة كما علمه الله فلا يزيد ولا ينقص ولا يضر أحدا ، والكتابة نعمة من الله عليه فمن الشكر عليها أن لا يمتنع عنها ما دام قد أخذ أجره بالعدل والرحمة.
٤ ـ والذي يملى الكاتب من عليه الحق ، أى : المدين ليكون إملاؤه حجة عليه ، وليتّق الله ربه في الإملاء ، وقد جمع بين الاسم الجليل والنعت الجميل للمبالغة في التحذير ؛ ولا ينقص من الحق الذي عليه شيئا عند الإملاء ، وأنت ترى أن الكاتب أمر
__________________
(١) سورة البقرة آية رقم ١٤٣.