من دون الله أولياء من أنفسكم وشياطينكم ، الذين يوسوسون لكم بكل ضرر وخطر وضلال في العقيدة ، وبدع في الدين ، ويوهمونكم أن الأصنام شفعاء لله وشركاء ، وما هي إلا أحجار لا تضر ولا تنفع ، إنكم قليلا ما تتذكرون الواجب عليكم نحو الله سبحانه وتعالى.
كثير من القرى التي أرسلنا إليها رسلنا مبشرين ومنذرين ، فعصوا رسلهم وخالفوا أمرهم ، أردنا إهلاكهم ، فجاءهم بأسنا وهلاكنا وهم في الليل آمنون ، أو هم قائلون في القيلولة ، أتاهم العذاب على غرة منهم ، وهم آمنون مكر الله ، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
فما كان دعاؤهم وقولهم حين جاءهم البأس والهلاك ، إلا إقرارهم بالذنب وقولهم : إنا كنا ظالمين ، ولكن هل ينفع الندم (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [سورة غافر آية ٥٢].
وفي هذه الآية عبرة وعظة لمن يعتبر.
عقاب الأفراد المذنبين قد يؤجله الله إلى أجل مسمى عنده ، بمعنى أنه يمهل ولا يهمل حتى يكون انتقامه مرة واحدة ، هذا إذا تمادى الشخص وأمعن في السوء والعصيان ، وبالغ في الفسوق والخروج عن حدود الدين ، والشخص قلما يعتبر بالحوادث وبما يصيبه من مصائب فيرعوى عن غيه ويدرك حقيقة نفسه ، ويتوب إلى ربه.
وأما الأمم التي تفسد فعقابها سريع ، وجزاؤها قريب ورادع ، ولنا في عرش الملك السابق عبرة وعظة!! ولنا في العروش التي تلت والأمم التي أبيدت وأذلت أكبر شاهد ودليل.
(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد ١١]. (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) [الإسراء ١٦].
فاعتبروا يا أولى الأبصار ، فإنما يتذكر أولوا الألباب!!
إن ليوم القيامة مواقف تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، منها أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يسأل الذين أرسل إليهم الرسل ويقول لهم : (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) [القصص ٦٥]؟. (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ