واما في النزاع الثاني : فان لم يكن هناك مندوحة يقع التزاحم بين الحكمين ، وحينئذ لو بنينا على اشتراط القدرة في متعلق التكليف لا بد من سقوط أحدهما اما الأمر أو النهي ، واما على القول بعدم الاشتراط يكون التكليفان باقيين ، غاية الأمر لا يجب امتثالهما إذ لا ريب في اعتبارها في حكم العقل بلزوم الامتثال.
وان كان هناك مندوحة فعلى القول باشتراط القدرة يقع التزاحم بين إطلاق دليل الأمر والنهي فان قدم النهي يصير هذا الفرد غير مأمور به ولا يصح إتيانه بداع الأمر المتعلق بالطبيعة ، وعلى أي حال لا يصير منهيا عنه ، وان قدم الأمر ، فلا نهى ، واما بناء على عدم اشتراط القدرة ، فهذا الفرد أيضاً مأمور به ولا تزاحم بينهما إذ هما أي الأمر والنهي قابلان للامتثال ، وعلى جميع التقادير تكون هذه المسألة من الجهة الثانية من النزاع أجنبية عن مسألة النهي في العبادات بالمرّة.
وفي المقام وجهان آخران للفرق ذكرهما الأصحاب.
أحدهما : ما أفاده صاحب الفصول (١) وحاصله ان النزاع في هذه المسألة إنما هو فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة والذات وان كانت النسبة بينهما العموم المطلق كما إذا أمر المولى عبده بالحركة ونهاه عن القرب في مكان مخصوص.
__________________
(١) الفصول الغروية ص ١٤٠ (فصل : اختلفوا في دلالة النهي على الفساد والمنهي عنه إلى أقوال).