قلت : لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك ، فإنه ـ مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين ، ولو سلم فإنما المتيقن لو لا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة (١) ـ لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر ، وذلك
______________________________________________________
الظن في قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وفي قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢).
(١) حاصله : ان هذه الآيات لا تصلح رادعة عن السيرة لوجوه :
الاول : انها وردت في النهي عن اتباع غير العلم وعن العمل بالظن في خصوص اصول الدين كما مرت الاشارة الى هذا فيما سبق.
ولا يخفى ان هذه الآيات بناء على كونها مختصة باصول الدين تكون ارشادية لا مولوية ، لحكم العقل بلزوم العلم في ما يرجع الى اصول الدين ، ومع حكم العقل بذلك يكون النهي الشرعي ارشادا اليه.
مضافا الى ان اصول الدين كالاعتقاد بوجود واجب الوجود عزوجل ووحدانيته وصفاته ونبوة انبيائه عليهمالسلام لا يعقل ان يكون الامر الوارد بلزوم العلم فيها او النهي عن اتباع غير العلم او عن العمل بالظن فيها مولويا ، لان مولوية الامر معناها هو الامر من الشارع بما هو مولى ومشرع ، ويتوقف ذلك على الفراغ عن الاعتقاد به بما هو كذلك ، وكون المورد اصول الدين لازمه فرض عدم المفروغية عن ذلك ، الّا ان يقال ان المولوية وكونه شارعا منوط بكونه كذلك واقعا لا بالاحراز والاعتقاد.
ولكنه يمكن ان يقال : ان الامر أو النهي المولوي عن اتباع غير العلم لا يعقل ان يتوجه الى العبد في حال علمه لحصول الغرض ، ولا في حال الشك لعدم امكان
__________________
(١) الاسراء : الآية ٣٦.
(٢) يونس : الآية ٣٦.