صورة الشكّ إلى البراءة ولا اشكال في ظهور فساده أيضاً ، حيث إنّ المفروض كون التكليف فيه غيريّاً ، مقدّميّاً ، معلولاً للارتباط بين متعلّقه والعبادة بحسب نفس الأمر والواقع ، على ما يقتضيه لفظ متعلّقه ، كالحرير ، وغير المأكول ، وشطر المسجد الحرام ونحوها ؛ فإنه وان لم يجز التمسّك بنفس الخطاب المذكور ، مع الشك في وجود متعلّقه ، في الخارج ، كما لا يجوز التمسّك به ، في القسم الأول أيضاً ، مع كونه من مقولة الوضع لا التكليف ، إلَّا أنّه بعد الكشف ، عن ارتباط العبادة بوجودها بحسب نفس الامر ، يحكم العقل حكماً قطعيّاً ضروريّاً ، بعدم جواز القناعة باحتمال وجودها ، نظراً إلى ثبوت الاشتغال اليقيني بإيجاد العبادة المشتملة عليها ؛ فيحكم بعدم جواز الدخول في العبادة ، مع الشكّ في وجودها ، كما هو الشأن في القسم الأوّل أيضاً ، إلّا فيما إذا كان هناك أصل يقتضي تحقّقها ، كما في مستصحب الطهارة ، وما كان الشكّ فيه بعد الدخول في غيره ، أو إمارة شرعيّة مقتضية لوجودها ، كما في موارد الشكّ في التذكية مع أخذ الجلد من المسلم ، أو من سوق المسلمين ومن هنا اتفقت كلمتهم على الاشتغال في مسألة دوران الامر بين الاقلّ والأكثر في الشبهة الموضوعيّة منها ، مع ذهاب المشهور إلى البراءة في الشبهة الحكميّة منها ، حتّى من قال بالبراءة في الشبهة المحصورة ، حيث إن الاشتغال اليقيني في المقام مفروض ، بخلاف الشبهة المحصورة ، فإن القائل بالبراءة فيها ، يمنع من تنجّز الخطاب بالواقع المردّد.
ومنه يظهر فساد مقايسته المقام بالشبهة المحصورة والمساواة بينهما وابتناء الحكم فيهما على وجوب المقدّمة ، كما عرفته ، عن المحقق القمّي قدسسره فيما تقدّم من كلامه ، مع منعه وجوبها مشيراً إلى ما فصّله في القوانين ، مع أنّه سلّم وجوبها بالوجوب التبعيّ الغيري ، بل حكم بخروجه عن محلّ النزاع وجعل النّزاع في الوجوب الاصلي ، مع أن الحكم في المقام مترتّب على ما سلّمه ، بل ما دونه من الوجوب الإرشادي العقلي ، بل لا يتصوّر غيره فيه لإن اصل وجوب ذي المقدّمة وهو العلم ارشاديّ عقليّ فكيف يكون وجوب مقدّمته ، مع أنّه تبعه ومعلوله ، أجلّ وأعلى منه.