ففيه : إنّ الرّحمة واللّطف قد يقتضيان إثبات التّكليف به لا رفعه ؛ ضرورة أنّه إذا كان هناك ما هو أهمّ بمراتب في نظر الشّارع العالم بالغيب ، من تسهيل الأمر على العباد ، كحفظ الإسلام ، ونواميس الشّرع ، وترويج الدّين ، الملحوظ في الجهاد ، وحفظ النّظام ، الملحوظ في القصاص ؛ ولذا قال عزّ اسمه وجلّ شانه : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(١) والحدود الشّرعيّة ونحوها من الامور المهمّة الرّاجعة مصالحها إلى العباد فلا يحكم العقل من جهة الرّحم واللّطف ؛ بقبح جعل الحكم ، بل يحكم بوجوبه ، إذا اطلع على الجهة ، هذا مضافاً ، إلى عدم المكان انكار وقوعه في الشّرائع السابقة ، بعد تظافر الآيات وتواتر الأخبار الدّالة بالصّراحة والنصوصيّة عليه ، فكيف يمكن مع ذلك القول بكون رفعه عقليّاً مع أنّ الدليل العقلي لا يقبل التّخصيص ، نعم حس التّسهيل ومصلحته قد تكافئ مصلحة الفعل ، بل يرجّح عليها ؛ فيحكم الشّارع برفع التّكليف لكنّه ليس دائميّاً. ومن هنا يندفع ما ربما يقال : من أنّه إذا كانت مصلحة التّسهيل أقوى فيلزم عدم وقوع التّكليف شرعاً ، بالامر الحرجي وان لم يحكم العقل باستحالته هذا بعض الكلام من الجهة الأولى.
الجهة الثانية : في وقوع التخصيص
وأمّا الجهة الثّانية : وهي وقوع التّكليف بالأمر الحرجي في شرعنا وعدمه ، لعدم الخلاف في وقوعه في الشّرائع السابقة.
فملخّص القول فيه : إنّ صريح غير واحد ، بل ظاهر الاكثرين وقوعه في شرعنا في الجملة ، كما في التّكليف بالجهاد ، والحجّ في حقّ البعيد ، سيّما في الأهوية الغير المعتدلة ، وتمكين النّفس من الحدود والقصاص والتّعزيرات ، والمجاهدة في تهذيب النّفس من الأخلاق الرذيلة المركوزة في كثير من النّفوس بالنّسبة إلى ما يجب رفعه ، وترك الاعتياد بالمحرّمات الشّرعيّة ، الّذي يشق خلافه ، والإجتهاد في الأحكام الشّرعيّة ،
__________________
(١) البقرة : ١٧٩.