إنّما الكلام في وجه عدم الشّمول ، فهل هو من جهة انتفاء الحرج ، موضوعاً مع التّرخيص في التّرك ، أو من جهة أنّ المنفي بأدلّة نفي الحرج ، مع تحقّق الموضوع ، في المستحبات ، كالواجبات من غير فرق بينهما في تحقّقه.
هو أنّ الظّاهر من أدلّته عدم تسبّب الشّارع وجعله لإلقاء النّاس في الحرج ، بحيث يستند وقوعهم فيه إلى جعله ، فلا يشمل ما رخص الشارع في تركه ؛ لأجل ذلك لا لعدم صدق أصل الموضوع مع الترخيص المذكور.
وجهان :
أوجههما الثّاني ، وإن كان المستفاد من كلام غير واحد من مقاربي عصرنا الأوّل ، قال في الفصول (١) : ثمّ اعلم أنّ نفي الحرج مختصّ بالإيجاب والتّحريم ، دون النّدب والكراهة لأنّ الحرج إنّما هو في الإلزام لا الترغيب في الفعل لنيل الثّواب إذا رخّص في المخالفة وساق الكلام. إلى أن قال : «بل الظاهر ، عدم جريانه في الواجب المخيّر أيضاً ؛ إذا تجرّد بعض آحاده عن الحرج ؛ للبيان الّذي سبق» ، انتهى كلامه رفع مقامه.
وأنت خبير بأنّ صدق الموضوع وتحقّقه لا تعلّق له بالحكم أصلاً ، فليس الوجه إلَّا ما عرفت من قصر المراد من دليل نفيه ، على ما كان جعل الشّارع سبباً قريباً لإلقاء المكلّف فيه ، بحيث يسند وقوعه فيه ، إلى جعله.
وهو الوجه في عدم شموله لنفي الوجوب التّخييري أيضاً ، في الفرض الّذي ذكره ، لا ما ذكره. فنفي الحرج نظير نفي الضّرر في الإسلام بمقتضى ما دلّ عليه ، من حيث قصر دلالته على ما كان جعل الشارع موجباً ؛ لإلقاء النّاس في الضّرر ، كوجوب الوفاء بالعقد مع الغبن ، والعيب مع الجهل لا مع العلم ، حيث أنّه مع الخيار وعدم اللّزوم عند الجهل ، أو اللزوم مع العلم ، لا يرتفع معه موضوع الضّرر ، إلَّا أنّه ليس ممّا أوجب جعل الشّارع ، وقوع المكلّف في الضّرر ، وإن زعم كون الوجه في الصحة قاعدة الإقدام ، إلَّا إنّ المتأمّل ، يعلم أنّه لا وجه للقاعدة المذكورة ، إلّا ما ذكرنا في وجه عدم
__________________
(١) الفصول : ٣٣٥.